ينهمك النازحون الفارون من مدينة حلب السورية في قطف الطماطم في حقول مدينة طرطوس الساحلية، فيملأون فراغاً تركه شبان ورجال التحقوا بالجيش السوري، ويسعون مع مزارعين محليين الى إنقاذ جزء من الموسم لهذا العام بدعم من الأمم المتحدة.
وينتشر النازحون منذ الصباح وسط الحقول الزراعية وبين الخيم البلاستيكية بحثاً عن حبات الطماطم الناضجة التي باتت جاهزة للقطف والتوضيب.
على مدخل أحد الحقول على أطراف طرطوس (غرب)، يقول أحمد فرحات إسماعيل (48 سنة) لوكالة فرانس برس: "بعدما اشتدت المعارك في حلب (شمال) قبل نحو عامين، وجدنا مدينة طرطوس أفضل الخيارات لننزح إليها، فهي منطقة زراعية وليست لدينا أي خبرة في العمل باستثناء الزراعة".
ومنذ نزوحه من حلب التي تشهد معارك متواصلة بين الجيش والفصائل المعارضة منذ عام 2012، يقطن أحمد مع 10 من أفراد عائلته في غرفة بسيطة بناها لهم مالك الأرض ويعملون في قطف الطماطم.
وكانت زراعة الطماطم في طرطوس من أبرز الزراعات قبل اندلاع النزاع الذي تشهده سوريا منذ عام 2011، وكان قسم كبير من الإنتاج يصدر الى خارج سوريا.
وبقيت منطقة طرطوس إجمالاً بمنأى عن تداعيات النزاع، لكن الآلاف من أبنائها التحقوا بصفوف الجيش والمجموعات الموالية له، وتركوا خلفهم حقول الطماطم فارغة من اليد العاملة، ما انعكس سلباً على كمية الإنتاج.
ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 30 ألف جندي في الجيش السوري يتحدرون من مدينة طرطوس وريفها منذ اندلاع النزاع.
بعد تفقده حبات البندورة في حقله، يقول عبدالكريم كنيج (55 سنة) وهو يرتدي قبعة تقيه حرّ الشمس لفرانس برس: "أدى التحاق قسم من أفراد عائلتي بالخدمة العسكرية إلى نقص في اليد العاملة، وتأثرت مواسم البندورة".
ويضيف: "لكن مجيء الوافدين هذا الموسم ساعدنا على تحسين الوضع قليلاً وسد النقص في العمال".
موزعون على الجبهات
ويخدم اثنان من أشقاء عبد الكريم في جبهتي حمص (وسط) وريف دمشق، فيما التحق ابن أخته بالخدمة الإلزامية وهو موجود في جبهة حلب. ولم يبقَ في المنطقة من عائلته سوى ابن في الجامعة وآخر لا يزال في سن صغير ولا يمكنه العمل في الحقول.
ويقول عبد الكريم: "نحن نعطي الرجال والدماء لحلب، وحلب تعطينا رجالها ونساءها أيضاً".
وتقول أم فاطمة وهي تضع عصبة ملونة على رأسها: "فقد أخي قدميه بانفجار لغم على طريق حلب خناصر قبل عامين، ومنذ ذلك الوقت بدأنا نستعين بعامل في موسم القطف".
وتضرر الاقتصاد السوري الذي تشكل الزراعة أبرز قطاعاته، كثيراً بفعل النزاع المستمر منذ أكثر من 5 سنوات. وكان إنتاج طرطوس يصل سنوياً الى مليون طن من الطماطم للاستهلاك المحلي والتصدير، ما جعل مزارعيها من كبار منتجي الطماطم في العالم، وفق منظمة الأغذية والزراعة (فاو).
وانخفض الإنتاج وفق مديرية الزراعة في طرطوس الى 300 ألف طن العام الماضي الذي شهد كذلك موجة صقيع أثرت سلباً على المحصول.
وللمساهمة في إنقاذ هذه الزراعة، تقدم منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي التابعان للأمم المتحدة، الدعم للمزارعين هذا العام في إطار مشروع لاستعادة سبل العيش القائمة على الزراعة، وفق ما توضح رنيم عيزوكي من برنامج الأغذية العالمي لفرانس برس.
وتقول عيزوكي إن المشروع الذي يتم تنفيذه بالتعاون مع وزارة الزراعة السورية، وفر المساعدة التقنية والتدريب لألفي مزارع، وأمّن فرص عمل لأكثر من 6000 عامل موسمي بينهم النازحون من مناطق أخرى.
وخلال تجوله في الحقول واستماعه الى ملاحظات المزارعين والعمال التي يدونها على دفتر صغير، يوضح المسؤول اللوجستي في برنامج الأغذية العالمي إيفو جونيور سانتي، أن هدف المشروع أن يصبح لدى الناس "اكتفاء ذاتي من خلال إنتاج طعامهم وبيع إنتاجهم عن طريق موزعين محليين".
ويضيف أن "9 ملايين شخص يعانون من ضعف الأمن الغذائي في سوريا".
مكان آمن
ويجد عدد كبير من النازحين في موسم قطف الطماطم مورد رزق لهم. ويعيش معظمهم في غرف متواضعة قرب الحقول.
وبحسب مصدر في المحافظة، يقيم حوالي 700 ألف نازح في طرطوس، 60% منهم وفدوا من حلب. وكان عدد سكان مدينة طرطوس قبل الحرب حوالي المليون شخص.
وتقول نور العبدالله التي تعمل مع نساء أخريات في قطف الإنتاج وتوضيبه داخل صناديق بيضاء اللون: "فقدت زوجي العام الماضي، خرج من المنزل في مدينة حلب ولم يعد، فقررتُ بعد فترة أن آتي وأطفالي الخمسة إلى طرطوس؛ لأنها أكثر أمناً".
وتبتسم نور كلما نجحت ابنتها تيماء (6 سنوات) في ترتيب الصناديق الصغيرة فوق بعضها بعضاً.
وتشرح مبتسمة: "غيّرت مهنتي من الحلاقة إلى الزراعة، وعلى الأقل أجد هنا مكانا آمناً، وطعاماً وشراباً لأبنائي".
وتضيف: "حتى لو انتهت الحرب سأبقى هنا في طرطوس".
على بعد أقل من كيلومتر، يتفحص المزارع الوافد من ريف حلب الجنوبي محمد حسن شحادة (40 عاماً) حبات الطماطم في حقل آخر يعمل فيه مع عائلته المؤلفة من 9 أفراد منذ نزوحه الى طرطوس عام 2013.
ويقول: "تعلمت في طرطوس تقنية جديدة في الزراعة، واستفدت من خبرات أهل الساحل كما استفادوا هم من خبرتي".
ويضيف: "جذبتني زراعة البندورة للبقاء في طرطوس برغم أن بلدتي عادت تحت سيطرة الجيش السوري، أجد هنا أمناً ومأوى، ومردوداً مقبولاً للعمل".
ويجني شحادة مقابل كل 4 ساعات ونصف من العمل حوالي 450 ليرة سورية (دولار واحد)، بالإضافة الى المأكل والمسكن.