كم مرة تخبطتَ في الظلام فأوقدتَ شمعة واستضأتَ بنورها حتى انطفأتْ؟ لكن من فكر فيما بذلتْه الشمعة لتضيء دقائقك وما خسرتْه لتربح أنت؟.. لا أحد!
كم مرة أعجبتك نجمة في السماء، ثم علمت أنها تشتعل لتضيء، وأنها في موضعٍ آخر غير ما تظن ولعلها قد خفتت أو خمدت، لكن من تساءل عن النجمة بعيداً عن ضوئها؟.. لا أحد!
أخبرنا النبي ﷺ أن الحجر الأسعد قد أُنزِل من الجنة شاهداً لمن زار الكعبة، حسناً.. اتخذناه أيقونة لكننا لم ننتبه لقول النبي ﷺ "نزل أبيض وسودته خطايا بني آدم".
قد لا تعي قدر الألم الذي ينالك، حين ترى أن قيمتك في أعين المحيطين، لشيءٍ آخر خارج عن ذاتك، أنك مطلوب لحاجتهم إلى الأيقونة التي تذكرهم بالنموذج والمثال المحتذى، أما أنت، احتياجاتك.. رغباتك.. وصبواتك، هي أشياء تنتقص من قيمتك كمثال، أما قيمتك كإنسان.. فلا يُهم هي أشياء لا تعني أحداً.
إن قيمة الإنسان هي حصيلة قيمتين متباينتين؛ قيمة الكينونة Being وهي قيمته المجردة، القيمة التي يمثلها؛ لأنه هو كما هو دون أن يُحدِث شيئاً غير ذلك، وقيمة مضافة وهي قيمة الفعل Doing وهي قيمة زائدة على أصل كالصفر بجوار الواحد الصحيح.
ما نفعله في كثير من علاقاتنا هو استبدال القيمة المضافة بالقيمة الأصيلة، وذلك هو أحد الأسباب الرئيسة التي تقف خلف هوس الإنجاز، حين ينتقل المرء من إنجاز إلى آخر دون أن يشعر بالإشباع، والسبب أن القيمة تتوجه لملأ خانة القيمة المضافة بينما القيمة الأصيلة خاوية. أنت إذاً -حينها- لا تحيا من الداخل، وإنما من الخارج، أنت تخدم رغبات الغير في الطواف بالحجر المقدس الذي يذكرهم بالطُهْر الذي ينبغي، والمثال الذي على المارين أن يصلوا إليه.
وعلاقة ذلك بالأيقنة ولب النقاش، هو أننا عندما نسعى إلى أيقنة أحدهم فإننا لسنا فقط نهتم بقيمته المضافة، بل نستغل هذه القيمة المضافة لمصلحتنا نحن لا هو!
من هنا، فأنا لا أدعوك أن تفعل شيئاً، بل الأقرب أنني أدعوك أن تجرب ألا تفعل، أن تكون أنت كما تجدك، كما تشعر بك من الداخل، سواءٌ سُرَّ بذلك المحيطون بك أم لا، فإن لم تشعر أنت بقيمتك الأصيلة في داخلك، فلا مجال أن تثبتها في الخارج. وأنا هنا لا أقلل من قيمة الفعل الخارجي والقيمة المضافة، وإنما أدعوك أن تكون حقيقياً!
إن كينونتك تستمد قيمتها من الله لأنها فعله المجرّد! وهذا الدرس نبهنا الله ﷻ إليه في القرآن، وقد يجد بعض قراء المقالة الجزء التالي دسماً، لكنني أظن أنه يستحق عناء قراءته، واقرأ معي بدايات الربع الثاني من سورة البقرة، حين أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فور خلقه، ثم أظهر لهم بعدها تفوّقه عليهم بإنجازه، وربما تظن أنه كان من الأسهل أمرهم بالسجود بعد ظهور تفوقه، ولكن الدرس هنا أن كينونة آدم من صنع الله وتفوّق آدم دخل فيه كسب آدم -من جهة قيامه به- فهذا ما أدركه الملائكة وعجز عن فهمه إبليس.
عش إذاً من داخلك، وحرر نفسك من تطلعات الغير وتوقعاتهم، كن جديداً في كل يوم جديد. إنك ستحيا مرة واحدة فلتكن لك لا للآخرين…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.