هُنا الأَلم ..

كنتُ أتخذُ دور القارئ للوجوه وقتها.. كثيرات من الفريق قررنَّ التأمُلَ في الأرض التي كانت تسيل فيها مياه لم نعرف لها مصدراً ومُلئت بأعقاب السجائر والأكياس الورقية وجمعٌ من الحشرات الذي ارتبك خط سيره على وقع أقدامنا الكبيرة.. وكأنه خَجلٌ يخبِر عن حال أصحابه بقلة الحيلة وانعدامِ الوسيلة!

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/09 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/09 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش

رمضان الماضي التحقت بفريق تطوعي يُعنى بزيارة بعض البيوت العفيفة خاصة في المخيمات المترامية هنا وهناك في المملكة الأردنية الهاشمية للاجئين الفلسطينين، وزرت مخيم الحسين، عندما دخلنا المخيم عُرفنا من فورنا أننا لسنا من أهله، هنا السكان يعرفون بعضهم ببؤسهم الذي كبر سوياً، وهاهُنا يغلب على سكان هذه البُقعة المُهملة المظهَرُ الرثَّ والثياب التي يدعون أنها قَد غُسلت رأيناها مُتسخة ببقايا عناءِ هذه الدُنيا!

الشارع الرئيسي الذي يشبه الطريق الذي شقه سيل ماءٍ بعوامل الحت والتعرية والنقل يتفرع منه عدة (شويرعات) على حد التعبير.. فقد مررنا إلى بعض البيوت من خلال أزقةِ يبلغ عرضها أقلَ من نصف متر.

البيوت التي تقف مطأطأة رأسها هي ليست واحات أمن كبيوتنا التي اعتدنا أن نرمي أثقال اليوم خارجها وندخل إليها متنعمين، بل هي أقربُ لحُجرات محشوة بالألم، ومحشوة بالمعاناة.. ورغم هذا نشتم منها بعض الأمل.. فتسمع صوت قارئ القُرآن ونرى ضحكة زرقاء في أعيُن طفلة رأتنا أول مرة فننتشي فوق جفاف أفواهنا وتترطب إذ ما تتسللت رائحة المنسف المُعدم الذي ربما بُني على رُبع دجاجة من بين الأبنية البالية التي نخر جبروت الزمان جدرانها وابتلعت الأرض ما ابتلعت من أساساتها فلم تعد أمنة للسكنِ، والآن تقف بإرادة الله الى ما شاء الله أن تقف!

كنتُ أتخذُ دور القارئ للوجوه وقتها.. كثيرات من الفريق قررنَّ التأمُلَ في الأرض التي كانت تسيل فيها مياه لم نعرف لها مصدراً ومُلئت بأعقاب السجائر والأكياس الورقية وجمعٌ من الحشرات الذي ارتبك خط سيره على وقع أقدامنا الكبيرة.. وكأنه خَجلٌ يخبِر عن حال أصحابه بقلة الحيلة وانعدامِ الوسيلة!

فلم تكنّ مطياتنا إلا النوايا واستذكار دابة عمر بن الخطاب التي خَشي عليها أن تتعثر في أطراف دولته وطير عمر بن عبدالعزيز الذي اتقى الله بتلاصقِ أمعائه الصغيرة فنثر له الحَب على رؤوس الجبال.. هاهُنا أم فقيرة لثلاثة عيال من ذوي الاحتياجات الخاصة تلازمُ باب الدار مللاً، وأم ترضى بقدرها لدرجةِ أن تقبلت أن تنام هي وفلذات ُأكبادها تحت سقفِ يؤول للسقوط في أي لحظة، وهنا ذكرى رجل قد رحل في رمضان العام الماضي تاركاً خلفة زوجة ألقتها الحاجة في طريقنا فأبت أن تقابل الإحسان إلا بالإحسان ودفعت إلينا بأقراص مدمجة تحمل تسجيلات دعوية عن روح الزوج الذي أورثها بؤسهُ ورحل.. أي وفاءٍ هذا، أيُ قلبٍ هذا!

هذا بعض ما نقلته لكم كما رأيته وتبقى أشياء كثيرة ترفض إلا أن تبقى أحفورة نادرة خالدة بالذاكرة تُشاهدُ لمرةٍ واحدة ولا تُحكى ولا تُقال.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد