السعادة هي أنت عندما تقرر أن تعطي الآخرين من جيب روحك الرحيمة.
السعادة ميثاق شرف بينك وبين القدر، أنت تشكر في السراء وتصبر في الضراء، والقدر يمنحك السكينة والبهجة والتناغم مع الكون.
كثر الحديث عن المسرات، لكنني لا أراها إلا ههنا: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ) هود 108. أما المباهج التي يشعر بها المرء بين الفينة والأخرى فهي مجرد: أفراح. فرح النجاح، فرح الزواج، فرح العثور على عمل جيد، فرح المسكن الجديد، فرح الشفاء، فرح لقاء الأحباب.
وهذا كله جيد وطيب ولذيذ، لكن المشكلة أنه مؤقت!
وهكذا فالسعادة الدائمة هناك، في كنف الغفار الغافر الغفور سبحانه، حيث لا تعب ولا نصب ولا وصب.
هناك حيث تلبى كل الرغائب وتقضى كل الحاجات: سعادة مطلقة، سعادة فقط لا غير، سعادة محض، سعادة صرف.
لكن، ماذا عن الأرض؟ نحن ما زلنا هنا! نعم، نحن إلى الآن في مرحلة (الترانزيت)، محطة العبور، نحو موطننا الأصلي، الجنة إن شاء الله.
ولذلك فواجب علينا التشبه بتك الحالة السماوية من الهناءة المطلقة، أعني علينا تقفي آثار السعادة، وبالمناسبة فليس كل ناجح سعيداً أبداً، لا نطلق كلمة (سعيد) إلا على إنسان متقدم في بيته، ومتقدم في عمله، فقد يكون المرء ناجحاً في بيته وغير ناجح في عمله، أو العكس، بينما السعيد الحقيقي هو من يكون سعيداً في بيته، أي مع زوجته وأولاده ووالديه، وأقاربه، وجيرانه، وفي كل علاقاته الاجتماعية مع الأعمام والأخوال والأصهار. وسعيداً أيضاً في عمله، مع مديريه، ومراجعيه، وموظفيه، الأعلى والأدنى منه..
السعادة الحقة هي الجنة الأرضية الأخلاقية، ألا تكره، ولا تحسد، ولا تنم، ولا تغتب، ولا تسرق، ولا تنوي الشر لأي مخلوق كان.
بل هذه السعادة سعادة سلبية، والواجب أن تكون سعادتنا إيجابية بأن ننشر الخير، وأن ننتشل الكاذب من داء الكذب، والنمام من داء النميمة، وأن نغسل قلب الشكاك بصابون اليقين.
من أراد أن يعيش في رحم السعادة عليه أن يضخها هو للآخرين، فالسعادة هي الإسعاد، والتقرب من حضرة الملك جل جلاله، عن طريق الإحسان إلى خلقه.
مرة أخرى: السعادة هي محاولة علاج المتعصب بسحب التشنج من فكره، وعلاج البائس اليائس بضخ الأمل، وعلاج المهموم المكروب بمضادات الحزن من كلام الحي القيوم ثم كلام المعصوم عليه الصلاة والسلام.
السعادة هي أن تقبّل يد والدتك بقلبك لا بشفاهك وحسب، وأن تعطي جارك الفقير كسرة الخبز التي قد تكون أنت محتاجاً لها، ثم تنسى فضلك عليه، وأي فضل؟
(من فضله عليك أنه خلق ونسب إليك)، كما قال الإمام السكندري، فأنت وكسرة الخبز وجارك مجرد أدوات يحركها القدر، يقول أحبابنا في اليمن السعيد: (الكون آلة بيد الجلالة).
طالما أن عواطف ومشاعر وأرواح وعقول البشر كل البشر بيد الحق سبحانه، فما أسهل أن نتوسل ونتسول بين يديه، طالبين منه أن يغدق علينا بالسعادة الأرضية تمهيداً لنيلها إن شاء الله في أعلى عليين.
إن السعادة كل السعادة هي في نيل المشتهيات، وهل يشتهي العاقل الأريب شيئاً غير قربه من محبوبه جل جلاله في الفردوس الأعلى؟
إن السعادة كل السعادة هي في تحصيل المرغوبات، وهل يرغب من اشترى الله نفسه وماله في أن يستردهما؟
(إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) التوبة 111.
(كل نعيم دون الجنة محقور)، كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
السعادة السعادة هي أن تعيش كل حياتك ولسانك رطب بذكر الله سبحانه، وأن توجّه وجهك وكل حياتك للذي فطر السماوات والأرض، وأن تنظر في يومك ماذا أفدت الآخرين به؟ وأن تنظر في غدك هل أغثت كل الملهوفين الذين تعرفهم والذين سمعت عنهم؟ هل لم تنهر السائل؟ هل استوصيت بالنساء خيراً؟
إن السعادة السعادة هي بطاعة من لا يريد إلا أن يدخلك الجنة، والسعادة كل السعادة هي في غضّ بصرك وكظم غيظك وبرّك بكل من حولك، والسعادة السعادة هي في ممارسة الصدق والأمانة وليس مجرد الكلام عنهما اقتداءً بسيد السعداء والمسعدين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.