النساء في الإسلام.. ربات بيوت أم رئيسات!

كما استشهد هذا الرأي بفعل عمر بن الخطاب حين ولَّى الشفاء بنت عبد الله العدوية لولاية الحسبة، وهي من الولايات العامة، وقالوا إن عمل الخلفاء الراشدين سنة واجبة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين".

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/06 الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/06 الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش

في يوم من الأيام، ذهبت وزيرة الدفاع الإسبانية كارمي تشاكون لتتفقد جنودها وهي حامل في شهرها السابع، المشهد كان غريباً على الثقافة العربية والإسلامية التي اعتادت أن ترى النساء في موضع غير هذا، قبلها بسنوات قليلة، كانت أنجيلا ميركل قد صعدت لمنصب المستشارة الألمانية، لتصبح من أبرز قادة الاتحاد الأوروبي وواحدة من صناع القرار السياسي في العالم، في حين لا تزال هيلاري كلينتون تناطح الساسة الأميركيون في التنافس على منصب الرئاسة الأميركية بعد أن حققت نجاحات بارزة في منصبها السابق كوزيرة للخارجية. بين كل هؤلاء النسوة، لا أحد يمكن أن ينسى غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية التي قهرت قادة العرب في حرب يونيو/حزيران 1967، ولا تلك المرأة الحديدية مارغرت تاتشر التي شغلت رئاسة الوزارة في بريطانيا وأبهرت العالم بآرائها وسياساتها الحكيمة.

في العالم الإسلامي، كانت بنظير بوتو أول امرأة تشغل منصباً سياسياً في دولة مسلمة عند فوزها بمنصب رئاسة الوزراء مرتين في دولة باكستان الإسلامية. ومع اختلاف الأزمان والأدوار، تظل الشفاء بن عبد الله العدوية أول امرأة تشغل منصباً قيادياً في الإسلام -الحسبة- للإشراف على الأسواق في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولفترة وجيزة من الوقت، تقلدت شجر الدر -زوجة الصالح نجم الدين أيوب- منصب سلطانة مصر لمدة ثمانين يوماً نجحت خلالها في التصدي لحملة من أكبر الحملات الصليبية على مصر رغم الاختلاف على تقلدها للسلطة بين مؤيد ومعارض.

لكن لا يزال تولي المرأة للمناصب السياسية والولايات العامة أمراً شديد التعقيد والحساسية في العالمَين العربي والإسلامي على حد سواء، فالعرب والمسلمون اعتادوا على رؤية المرأة في معزل عن الرجال وفي منأى عن أي دور سياسي في صناعة القرارات الهامة.

تاريخياً، لم تكن المرأة قبل الإسلام شيئاً مذكوراً، إذا ولدت تدفن حية، وإذا عاشت أصبحت معرَّة على صاحبها، وإذا مات عنها زوجها دخلت ضمن الميراث فتورث لأقرب الأقارب. فلما جاء الإسلام، أعطى للمرأة حريتها وحفظ لها كرمتها وصانها أُماً وزوجة وبنتاً، لكن الأمر لم يصل إلى حد التمكين السياسي وشغل المناصب السياسية في الدولة، ففي العصور الأولى للإسلام، لم يولِّ الرسول صلى الله عليه وسلم أي امرأة ولاية أو إمارة عامة، وباستثناء واقعة الشفاء بنت عبد الله، لم يحدث أن ولّى الخلفاء الراشدون النساء أية مناصب سياسية أو ولايات عامة، الوضع نفسه كان في الخلافة الأموية والعباسية وعصر الدولة العثمانية، وربما اقتصر دور المرأة في هذه العصور على لعب أدوار الظل كمستشارة للزوج الحاكم في الأمور العامة.

دينياً، انقسمت آراء الفقهاء إلى ثلاثة آراء بشأن تولي المرأة للولايات العامة والمناصب السياسية؛ الرأي الأول لجمهرة كثيرة من العلماء يقول بعدم جواز تولي المرأة للولايات العامة مطلقاً استناداً إلى العديد من الأدلة الواردة من القرآن والسنة: الدليل الأول هو الأبرز بين تلك الأدلة، وهو قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، بما في ذلك من دلالة على قوامة الرجل على المرأة، ومن الأدلة القرآنية الأخرى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) و(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)، فالمرأة مأمورة بالمكوث في البيت وعدم مخالطة الرجال على عكس ما تستلزمه المناصب العامة والسياسية، ومن السنة النبوية قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، والحديث وإن كان خاصاً في بنت كسرى ملك الفرس، إلا أنه يفيد العموم. ومن القياس، استناد أصحاب هذا الرأي إلى عدم جواز تولي المرأة للمناصب العامة قياساً على عدم جواز إمامتها للرجال في الصلوات، كما قال هذا الرأي بأن المرأة لا تملك الولاية في تطليق نفسها، وهي ولاية خاصة، فمن باب أولى عدم جواز شغلها للولايات العامة.

الرأي الثاني يرى جواز تولي المرأة للولايات العامة والمناصب السياسية، مستندين أيضاً إلى أدلة شرعية من القرآن والسنة النبوية، فمن القرآن: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)؛ حيث ساوى الله بين الرجال والنساء في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما من الولايات العامة، ومن السنة النبوية مشاركة النساء في مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم على النصرة والتأييد في بيعة العقبة الكبرى، بما في ذلك من إشارة ودلالة على مشاركة المرأة في صناعة القرارات السياسية الهامة.

كما استشهد هذا الرأي بفعل عمر بن الخطاب حين ولَّى الشفاء بنت عبد الله العدوية لولاية الحسبة، وهي من الولايات العامة، وقالوا إن عمل الخلفاء الراشدين سنة واجبة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين".

خروجاً من الخلاف الدائر، رأى فريق ثالث جواز تولي المرأة للولايات والمناصب الصغيرة التي ليست فيها ولاية عامة، مثل المناصب الإدارية الصغيرة، التي لا تعد ولاية حقيقية بالمعنى المعروف، وليست أمورها ذات شأن كبير مقارنة بالولايات العامة.

بين كل تلك الآراء المتفرقة، لا مناص من إدراك دور المرأة الكبير في الحياة العامة والسياسية المعاصرة في العديد من الدول العربية والإسلامية، لكن في نفس الوقت يجب ألا ينحرف هذا الدور عن الدور الطبيعي للمرأة في بيتها، إلى جانب الالتزام بالتوجيهات الدينية والأعراف الاجتماعية الراسخة منذ قرون عديدة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد