الحجاب والسلم في المجتمع (1)

أغلب الذين يشككون ويستفيضون في مسألة الحجاب وغيره مثقفون عرب يدلون بدلوهم بتركيز كبير في هذا التوقيت، وتوقيتهم وهمّتُهم يثيران التساؤلات: هل هؤلاء مأجورون على ما يكتبون ويطرحون؟ أم أنهم منهمكون حريصون على فائدة الناس وتوعيتهم ولا يبتغون في ذلك جزاءً ولا شكوراً؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/04 الساعة 05:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/04 الساعة 05:42 بتوقيت غرينتش

في هذه المرحلة التاريخية الساخنة التي تكثر فيها مصطلحات الإرهاب ومشتقاته، تتلاطم الأمواج وتختلط الأمور ويُروِّج كثيرون بشكل صريح أو باطني إلى أن منابع الإرهاب هي في الإسلام نفسه وأغلبهم يكتب ويتحدث باتجاه ذلك، ولكنه لا يتناول الإسلام باسمه وعنوانه وإنما يأخذ جزءاً فيطعن فيه ويشكك به ويربطه بالإرهاب ومنابعه.

ومن أهم القضايا التي تحرك عليها المتحركون مؤخراً هي قضية الحجاب في الإسلام.. وهذا عرض وتحليل في الردِّ على هؤلاء:
(يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) يصف القرآن الإسلام بالسلم.

وجوانب السلم في الإسلام كثيرة بل شاملة لكل جانب، والتشريع الإسلامي كله يهدف إلى السلم والاستقرار، والحجاب في الإسلام هو نظام عظيم فيه نهج وتطبيق وسبع فقرات تؤدي إلى سلم أهلي فريد من نوعه في المجتمع.

وكل المتطرفين من العلمانيين والمجادلين المنكرين يقومون بدراسات منقوصة مبتورة عن الحجاب، وكثير منهم يتصدى للأمر بقناعة رافضة مسبقة ويقوم بالبحث والتنقيب وليّ النصوص، محاولاً إثبات رفضه وهم يتجاهلون عن عمد الحقائق والوقائع والطبائع:
– يتجاهلون حقيقة المجتمع وما وصل إليه في المستوى الأخلاقي والمعاشي.
– يتجاهلون الوقائع التي تجري وتحدث في المجتمع بشكل متكرر وبكثرة تصل إلى حد تبلور ظواهر بارزة ولافتة في الأمن الاجتماعي.
– ويتجاهلون الطبائع.. طبائع الرجال وفق الفئات العمرية المختلفة، وطبائع الفتيات والنساء في فئاتهن العمرية الرئيسية… وهذا النوع من التجاهل يغفل الجانب الهرموني الغريزي ويهمل التفاوت والدوافع.

إذا تمعنَّا في معنى وتعريف الحجاب كاصطلاح إسلامي قرآني فسنجد أنه:
"حجب الإثارة الجنسية خارج حدود الزوجية" ويمكننا أن نُعرِّف ذلك بصيغة أخرى فنقول: "هو منع الاستدعاء الجنسي الغريزي خارج بيت الزوجية".

والإثارة الجنسية والاستدعاء الجنسي والجذب الغريزي في الشارع وأماكن العمل والتعليم وكل مرافق المجتمع العامة تؤدي إلى توتر شديد واحتقانات حادة ومزمنة… والحجاب بفقراته السبع مع الاستجابة الطوعية يؤدي إلى سلم ضروري ومن نوع خاص وهام في المجتمع.

للحجاب أعمدة أساسية سبعة، وهذه الأعمدة تنقسم إلى قسمين رئيسيين؛ أحدهما في الملبس والمظهر، وثانيهما في السلوك والتصرف:
– (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، وفيها أمران:
أولهما تغطية الرأس؛ لأن الخمار أصلاً هو غطاء الرأس والشعر، وثانيهما تغطية الجيب وهو أعلى الصدر، أو ما يسمى بالمثلث المؤدي لأعلى النهدين، وهذا الموضع بلا جدال محطٌّ لأنظار الرجال.. كل الرجال وفي نقاشك مع مجادل منكر قل له ألا ترنو عيناك دائماً إلى هذا الموضع باحثاً لاهثاً وأنت الذي لا يعترف بما أمر الله ونهى؟… وهل في نظراتك رقيٌّ واحترامٌ أم رغبة وشهوة وطمع؟ ثم أجهز عليه وقل له هذا الطمع سيئ مهينٌ للمرأة وفيه توتر واحتقان.

– (… يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين):
في هذا الأمر إسباغ لتغطية الجزء الأسفل من جسم المرأة وهو موضع آخر أيضاً يسعى الرجال للتلصص منه وإليه.

– (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) وهو كل ما يتعلق بالمكياج وفيه تسعير للإثارة والاستدعاء الجنسي وبشكل واضح مقصود.. مقصود من مصنعيه ومستخدميه.

– (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن): و"مِن" هذه تبعيضية دالّة على الدعوة إلى غض جزئي للبصر… غضّ لنوع من النظرات وهو النوع الذي يرسل أو يستقبل اللقطات الجنسية المثيرة.

– (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض):
وفي هذه ثلاثة أمور؛ أولها أن لا تتكلم المرأة بطريقة فيها الإثارة.. ولفظ الخضوع في الكلام دالّ معبر، والأمر الثاني هو الإشارة إلى أن الذي يطمع بشكل أكيد هو من في قلبه مرض، أي الشخص غير السوي الذي يعاني من هيجان نفسي، فالإثارة بالصوت تحرك من لديه نفس غير سوية أكثر من غيره، وثالث الأمور أن الشرع الإسلامي في هذا الشأن يحتاط ويضع إجراءات وقاية مسبقة.

– (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن):
والأمر هنا يجاوز الخلخال ونحوه إلى مشية المرأة بشكل عام، فطريقة رفع الرِّجل وضربها على الأرض فيها تقصع وتمايل وتجسيم لما تحت الثوب وكله يؤدي للإثارة والاستدعاء الغريزي بقصد أو من دون قصد.. وعندما ترى طريقة عارضات الأزياء في مشيتهن واللائي يحرصن فيها على الإغراء والجذب لاتضح معنى الضرب بالأرجل.

ثلاثة أمور في اللباس، وواحد في التبرج، وواحد في النظر، وواحد في المشية، وواحد في الكلام… سبعة تطبيقات إذا استجابت لها المرأة عن قناعة وقابلها الرجل بتطبيقات أخرى تخصه، فإن ذلك سيؤدي إلى سلم خاص هام في المجتمع، هذا السلم يكون بوقف الإيذاء من اتجاهين: إيذاء صادر باتجاه المرأة (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وإيذاء صادر من المرأة باتجاه الرجل، وبلا أدنى شك فإن هذا السلم يحتاج إلى ما يفعّله ويكمله من فتح أبواب الزواج فتحاً مبيناً عظيماً يسيراً.

إيذاء المرأة غير المسنّة قد يحصل إذا تركت المرأة الحجاب من صنفين من الرجال وبعدة مستويات:
– أولاً الإيذاء من عموم الرجال، والإيذاء الأشرس والأخطر يكون من أصحاب النفوس المريضة وغير السوية من الرجال (في قلبه مرض).
ويكون الإيذاء للنساء درجات: وأقل مستويات الإيذاء هو الإيذاء بالنظر والتلصص، ولو علمت الفتيات الرصينات ما يجول في ذهن وخيالات الرجل وهو يختلس النظرات اللاعذرية لأحسسن بالمهانة والغضب.

وينحدر الإيذاء تجاه المرأة إلى مستويات أسوأ وأخطر تتدرج انحداراً من الكلام المسيء، إلى التحرش، وصولاً إلى الاغتصاب.
وما يجري في العالم من ذلك كثير ظاهر وخطير، وفيه دراسات كثيرة وأرقامها مذهلة، وكل المجتمعات تبحث عن حلول جذرية في قضايا التحرش والاستغلال والاغتصاب ولا تجد.

– أما الإيذاء الصادر من المرأة باتجاه الرجل ففيه الانشغال والاحتقان والتوتر الذي تسببه الاستدعاءات الجنسية الغريزية الصادرة من المرأة المُفَرِّطَة والمُفْرِطة في الأمور السبعة التي ذكرناها أو ببعض منها.

عشر حالات منفصلات رصَدْتُها منذ سنوات لشباب جَلستْ أمامهم فتيات متبرجات في مقاعد متقابلة في باصات النقل العام في إحدى الدول العربية: وخلال أربعين دقيقة في كل حالة كان الشاب ينشغل بالفتاة السافرة المتبرجة أمامه بالنظر والتأمل والالتفات لأكثر من ثلاثين دقيقة، أي أكثر من ثلاثة أرباع الوقت المرصود.. وبحساب الوقت الكلي المستهلك كلّما تعرض الشاب للاستدعاءات الجنسية المنفلتة، وبالقياس وبشيء من الصراحة سيكون أمامنا إشغال وإيذاء ونوع من المهانة أن لا يكون للشاب ووقته أي قيمة أو هيبة.. وأن تسيطر عليه الغريزة واستدعاءاتها سيطرة فوق حد كرامة الرجل وهيبته، إضافة إلى الاحتقان والتوتر بنوعيه العصبي والنفسي الذي يكوّن نوعاً من الصراع والغضب والتناقض داخل النفس البشرية بوجود الإثارة والتحفيز من غير سبيل صحيح للتفريغ وهناك الضرر العضوي الأكيد فوق كل ما ذكرنا.

– والضرر الذي يصيب المجتمع من ضياع الوقت المفيد المثمر للشباب من كلا الجنسين لا بد من دراسته وقراءته بجرأة ووضوح، ولكن انكفاء مجتمعاتنا وتعطّل إنتاجيتها وإبداعاتها في معظم الجوانب تجعل هذا الهدر في الوقت غير ظاهر ومن غير المنطقي دراسته.

– إنها صراعات تتأجج ولا تهدأ داخل النفوس عند الذكور والإناث، صراعات لا يدرسها الدارسون بعمق وجرأة، ولا يقدمون لأصحابها مع الحجاب الحلول والبدائل، صراعات وعجز يجعل النفوس بعيدة عن درجة الاطمئنان والاستقرار وكل ذلك ينعكس توتراً وصراعاً داخل المجتمع.

– ولا يظنن أحد أن حجب ومنع الاستدعاءات الجنسية الغريزية غير المنضبطة مقتصر على النساء في التشريع الإسلامي، بل يشمل الرجال قبل النساء، وفي ذلك أعمدة أساسية لا بد من ذكرها في مقال منفصل ذي صلة قادم.

أغلب الذين يشككون ويستفيضون في مسألة الحجاب وغيره مثقفون عرب يدلون بدلوهم بتركيز كبير في هذا التوقيت، وتوقيتهم وهمّتُهم يثيران التساؤلات:
هل هؤلاء مأجورون على ما يكتبون ويطرحون؟
أم أنهم منهمكون حريصون على فائدة الناس وتوعيتهم ولا يبتغون في ذلك جزاءً ولا شكوراً؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد