في 30 يونيو منذ ثلاثة أعوام، خرجت مظاهرات ضد الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة. بعدها بثلاثة أيام وفي يوم 3 يوليو وقف ممثلون من القوات المسلحة وشيخ الأزهر أحمد الطيب، والأنبا تواضروس، بابا الكنيسة الأرثوذوكسية، ومحمد البرادعي، وممثلو حزب النور، وحركة "تمرد" يعلنون "خارطة طريق" تضمنت عزل أول رئيس مصري مدني منتخب هو محمد مرسي، مؤكدين أن هذا "استجابة لمطالب المتظاهرين".
"عربي بوست" ترصد هنا ما تمّ إنجازه من الخارطة، وما جرى تعطيله أو الانقلاب عليه.
هذه البنود العشرة وصفتها الصحف المصرية بأنها "خارطة الطريق" التي حظيت بتوافق عسكريين وسياسيين مدنيين ورجال دين، وشكلت ملامح مرحلة ما بعد عزل الرئيس محمد مرسي.
ومع مرور 3 أعوام على خارطة الطريق، يتبين أنه تم تنفيذ 7 بنود منها هي ما يتعلق بإنهاء حقبة حكم "مرسي" و"جماعة الإخوان"، وتشكيل الواقع الدستوري والسياسي بما يتوافق مع العهد الجديد، الذي بات للمؤسسة العسكرية فيه الصوت الأعلى، إلا أن ثلاثة من بنود الوثيقة التي أعلنها الجيش، وتخص الحريات والديمقراطية، لا تزال معطلة.
البند الأول: تعطيل العمل بالدستور مؤقتاً
تم تعطيل العمل بدستور 2012 الذي وضعه شركاء ثورة 25 يناير وأجريت بموجبه أول انتخابات برلمانية ورئاسية فاز فيها التيار الإسلامي بالأغلبية والرئاسة، وتشكلت "لجنة الخمسين" لصياغة الدستور الجديد يوم 1 سبتمبر 2013 برئاسة عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية السابق، وتمت دعوة المصريين للاستفتاء على الدستور يومي 14 و15 يناير 2014.
وجرى حشد هائل للتصويت عبر وسائل الإعلام وفي الشوارع وسيارات الجيش، وأعلنت الموافقة على الدستور بنسبة 98.1 بالمئة، ورفض 1.9 بالمئة، وبلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء نحو 38.6 بالمئة ممن لهم حق التصويت، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بحجم الحشد.
البند الثاني: تعيين رئيس مؤقت
بموجب البند الثاني من خارطة الطريق، "يؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة"، وبالفعل أدى المستشار عدلي منصور اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً لمصر في 4 يوليو 2013، وذلك عقب 5 أيام فقط من توليه رئاسة المحكمة الدستورية العليا خلفاً للمستشار ماهر البحيري.
وظل "منصور" في منصبه حتى 8 يونيو 2014، عقب انتخاب الرئيس الحالي السيسي في انتخابات رئاسية جديدة، لم يشارك فيها الإخوان، وعدد من القوى السياسية، وخرج منها لمنصبه السابق كرئيس للمحكمة الدستورية.
ومن المفارقات أن منصور في ذكرى تعيينه رئيساً، خرج الخميس الماضي 30 يونيو 2016 رسمياً من المحكمة الدستورية العليا، لبلوغه سن التقاعد، 70 عاماً.
ومن المفارقات، ثانياً، أن قرار تعيينه رئيساً للمحكمة الدستورية العليا في 10 يونيو 2013، جاء بتوقيع الرئيس الأسبق محمد مرسي، وبعدها بـ 23 يوماً تم تكليفه برئاسة مصر.
البند الثالث: انتخابات رئاسية مبكرة
رغم عدم تغيّر شروط الترشح التي مكّنت 13 شخصية من خوض انتخابات 2012، فقد اقتصرت قائمة مرشحي 2014 على اسمين فقط؛ هما: رئيس التيار الشعبي الناصري (حمدين صباحي)، ووزير الدفاع (عبد الفتاح السيسي) الذي توقع كثير من المصريين من البداية أن الانتخابات محسومة لصالحه، على العكس من انتخابات 2012 التي لم يكن متوقعاً حتى الجولة الثانية أيّ المرشحين أقدر على حسمها.
وقاطعت قوى وأحزاب سياسية شاركت في 30 يونيو الانتخابات لاعتراضها على ترشيح "عسكري" للرئاسة، منها: حركة "شباب 6 أبريل"، وحزب "مصر القوية"، و"تحالف دعم الشرعية" بأحزابه وائتلافاته ومؤيديه، فيما حظي السيسي بدعم قوي من المؤسسة العسكرية ووسائل الإعلام.
وفاز السيسي بأغلبية ساحقة وحصل على 96,9% من الأصوات مقابل 3,9% تقريباً لحمدين صباحي.
البند الرابع: إعلانات دستورية انتقالية
بموجب البند الرابع الذي أعطى الرئيس المؤقت سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية، صدر ما سمي (الإعلان الدستوري) يوم 8 يوليو 2013 والدستور، الذين منحه سلطة التشريع حتى انتخاب البرلمان.
وخلال الـ 330 يوماً تولى فيها الرئاسة مؤقتاً، أصدر عدلي منصور نحو 96 قراراً بقانون، منها 28 قراراً يعتبرها اتحاد محامي مصر من أخطر القوانين.
وبعضها يتضمن قيوداً شديدة على الحريات أبرزها القرار الجمهوري الذي صدر في 26 سبتمبر 2013 بتعديل مدة الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية لتزيد إلى 45 يوماً قابلة للتجديد، قبل المحاكمة، خلال استئناف الحكم، أو انتظار إعادة المحاكمة، وسمح بتجديد الحبس الاحتياطي للمعارضين حتى عامين بدون محاكمة.
وكان منها قانون التظاهر الذي صدر في 24 نوفمبر 2013، ويقيد التظاهر، وحوكم وسجن بموجبه المئات، وقانون تعديل أحكام قانون العقوبات في تهمة إهانة الرئيس عام 2013، وقانون تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، وقانون تنظيم الانتخابات الرئاسية في عام 2014.
البند الخامس: حكومة كفاءات وطنية
في يوليو 2013، أصدر الرئيس السابق المستشار عدلي منصور قراراً بتكليف "حازم الببلاوي" برئاسة حكومة انتقالية، وضمت الحكومة 35 وزيراً ليس من بينهم إسلاميون، بعد رفض وزراء الإخوان المشاركة فيها.
وبرغم أنها "حكومة كفاءات وطنية"، فقد كان أول قراراتها "سياسياً أمنياً" يتعلق بفض اعتصام رابعة الذي قتل فيه ما لا يقل عن ألف معتصم بحسب تقديرات حقوقية مختلفة، وتأكيد "الببلاوي" نفسه في حوار مع محطة التلفزيون الأميركية ABC أن شهداء رابعة كانوا ألف مصري، بينما قدرهم موقع "ويكي ثورة" الحقوقي بـ 1542 قتيلاً، وقدرتهم منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها الصادر 12 أغسطس 2014 بأنهم 1150 قتيلاً.
ولاحقاً تشكلت حكومة المهندس إبراهيم محلب الأولى، ثم استقالت فور إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة، وأعيد تكليف محلب بتشكيل حكومته الثانية في 17 يونيو من نفس العام.
واحتوى تشكيل حكومتي الببلاوي ومحلب على العديد من الشخصيات المحسوبة على فلول نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
شارك في وزارة الببلاوي درية شرف الدين عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني، واللواء عادل لبيب المحافظ المزمن في عهد مبارك، وأيمن فريد أبو حديد آخر وزراء الزراعة في زمن مبارك.
محلب نفسه كان عضواً بأمانة السياسيات بالحزب الوطني، وأبقى على اللواء عادل لبيب في منصبه.
البند السادس: تعديل الدستور تحول لـ "دستور جديد"
كان نص المادة السادسة من خارطة الطريق هو "تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتاً"، ولكن الأمر انتهى بوضع دستور جديد مختلف في العديد من مواده مع الدستور السابق.
وقد أكدت هذا ديباجة دستور 2014 التي نصت على أن "اللجنة قامت بتعديلات كاملة لمواد الدستور المعطل، ما نتج عنه نص دستوري جديد".
البند السابع: انتخابات البرلمان
كانت مادة "مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية"، هي أكبر مشكلة واجهت خارطة الطريق، لأن الرئيس منصور قرر تأجيل الانتخابات البرلمانية والبدء بالرئاسية.
وجاء قرر التأجيل بالمخالفة لإعلان دستوري الذي أصدره هو في 8 يوليو 2013 ودستور 2014.
وعندما تقرر إجراء الانتخابات البرلمانية، في مارس 2015، أصدرت المحكمة الدستورية العليا قراراً ببطلان قانون الانتخابات الذي أعدته الحكومة، ما أدى إلى تأجيلها مجدداً.
ولكن تم في نهاية المطاف تنفيذ هذا البند من خارطة الطريقة بانتخابات جرت على مرحلتين خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2015، بعدما ظلت مصر بلا برلمان منذ يونيو 2012 منذ حلت المحكمة الدستورية العليا مجلس الشعب الذي انتخب بعد ثورة 25 يناير.
البند الثامن: حرية الإعلام
نص البند الثامن على "وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن"، ولكن هذا البند لم يتحقق حتى الآن رغم مرور 3 سنوات على وضع خارطة الطريق.
وعلى عكس المأمول من هذه الفقرة التي تعد بكفالة الحريات، جاء اعتقال وحبس صحفيين ومحاكمة نقيب الصحفيين وانتهاك الشرطة مقر نقابة الصحفيين لأول مرة من نشأة النقابة، وتعطيل قانون المجلس الإعلامي الذي سيدير الصحف والإعلام الحكومي، ليشير لتعطيل هذا البند.
أيضا جاءت مناقشة وإقرار لجنة الإعلام بمجلس النواب، قانون يعطي الرئيس حق تعيين أعضاء المجلس الأعلى للصحافة ومن ثم رؤساء تحرير الصحف، ليشير لنوايا أخرى تتعلق بمزيد من السيطرة على الإعلام.
البند التاسع: تمكين الشباب
كان بند "اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكون شريكاً في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة"، هو البند الأكثر إثارة للنقد من جانب النشطاء والشباب في أعقاب الاعتقالات الكبيرة التي جرت للشباب ومظاهر مطاردة الشرطة لهم في المظاهرات وحبسهم.
وجاء اعتقال وحبس طلاب في الجامعات وطلاب ثانوي احتجوا على تسريب الامتحانات (أطلق سراحهم) ومشهد مطاردة الشرطة لهم وضربهم ونقلهم لمعسكرات الأمن، هو الأكثر سخرية على مواقع التواصل، خاصة مع حدوث العكس وتعيين كبار السن في المناصب حيث تتصدر قائمة "العواجيز" المشهد.
تمكين الشباب . . في السجون .
— Ahmed Suliman (@a7mds0liman) June 29, 2016
30 يونيو قالولك تمكين الشباب وانت فرحت !!! اديك اتمكنت من المقابر يا جميييل
— دُلــنـــى ع الإيمان (@e_mokhtar4444) June 30, 2016
البند العاشر: المصالحة
جاء البند العاشر الأخير ينص على "تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات"، وجاء تصنيفه كآخر بند مواكباً لعدم تحققه، والمفارقة على ما يبدو أنه آخر الآمال التي يمكن أن تتحقق.