لماذا يتناسى العالم ضحايا الإرهاب من المسلمين؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/30 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/30 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش

كنت في إسطنبول صباح يوم الإثنين 27 يونيو/حزيران 2016 عائداً بالطائرة من سراييفو بعد 4 أيام قضيتها هناك، وسأعود إليها الجمعة القادمة عابراً بالترانزيت مرة أخرى. لقد سبق لي أن تجولت سائحاً في أرجاء إسطنبول كما عملت فيها دليلاً سياحياً كذلك. عملت فيها وكذلك زرتها بدافع الترفيه والمتعة سواء مع العائلة أو مع الأصدقاء، وجئتها زائراً قاصداً تارة، وعابر ترانزيت تارة أخرى.

أعتقد أنها قد تكون أعظم مدينة في العالم، ولا تستهينوا بمقاييسي ومعاييري العالية، فأنا من مدينة نيويورك. لهذه الأسباب كان هجوم يوم الثلاثاء 28 يونيو/حزيران 2016 على مطار أتاتورك الدولي، الذي راح ضحيته 41 شخصاً وجرح العشرات، ضربة موجعة مؤلمة لي أنا شخصياً في الصميم كأنه هجوم على بيتي وداري.

لكن رد فعلنا على هذا الهجوم كان هو الآخر ضربة مؤلمة لي في الصميم.

استنكار على استحياء

مرة ثانية لا نشهد الغضب والاستنكار ذاته، عندما يكون ضحايا الإرهاب هم من المسلمين، فأنا لست أرى أي رؤساء دول يركبون أول طائرة على وجه السرعة إلى إسطنبول للمشاركة في مسيرات جماهيرية منددة بالتطرف، رغم أن تركيا شهدت حوادث عنف إرهابية أكثر من دول أخرى كثيرة.

بعض المسلمين يرون في ازدواجية المعايير هذه مثالاً جلياً على الإسلاموفوبيا وكراهية الإسلام ومعاداته، لكن بالنسبة لي فلست أوافقهم تماماً، لأن ما يحصل هاهنا في بلدنا متعلق أكثر بما نعرفه عن المسلمين وما لانعرفه عنهم وما نفضل ألا نعرفه عنهم.

إننا نحب الأفلام وخاصة أفلام الكوارث، لكن انظروا أين تتم هذه الكوارث في الأفلام؟ إن الناس يدفعون المال لمشاهدة الدمار والخراب يحل بمدنهم هم التي يحبونها، يعني المدن التي زاروها أو يريدون زيارتها أو ربما لعلها المدن التي يعيشون فيها أصلاً.

أما بغداد، فمن يكترث لرؤية الدمار يحل ببغداد في فيلم على الشاشة؟ لا أحد، وحتى لو كان ثمة من يكترث ويذهب لمشاهدة فيلم عن كارثة تضرب بغداد، فلعله لا يدرك أصلاً أن المدينة التي تدمر أمامه هي بغداد أساساً، فكثيراً ما أستاء مثلاً عندما أراهم يصورون مدينة كإسلام آباد مثلاً وكأنها صحراء قاحلة بدلاً من حقيقتها يانعة الخضرة ككل سهول البنجاب. الأمر أشبه بتصوير فيلم في جزيرة ملقة ثم الزعم بأن هذه جزيرة مانهاتن.

إننا نهتم ونكترث للأماكن التي نعرفها وللناس الذين مثلنا، في حين أننا لا نأبه للأماكن التي لا نعرفها، وهذا يعكس كيف تؤثر القوة والسلطة في هذا العالم.

فمع تحول الصين إلى دولة عظمى عالمياً -رأينا بأعيننا كيف تحملت هوليوود العناء في سبيل الوصول إلى جمهور المشاهدين في الصين. فمسلسل نيتفليكس المسمى "ماركو بولو" ما هو إلا ملخص يختصر لسان حال كل بداية القرن الـ21 في جملة واحدة: الغربيون يتجهون شرقاً. وبهذا يتكون لدى المشاهدين الغربيين والشرقيين فضول للمشاهدة، فيما تجني هوليوود المال.

لكن كم من الناس في البلدان الإسلامية يطيقون كلفة اشتراكات نيتفليكس أو تذاكر الأفلام أو اشتراكات الصحف أو بوسعهم كتابة رسائل إلى رئيس التحرير أو تقديم شكوى لشركة إعلانات مثلاً؟ لأن الحقيقة الواقعة المؤسفة هي أن العالم الإسلامي أفقر بكثير من الغرب (والشرق الأقصى كذلك الآن).

إن المجتمعات التي تعاني صعوبات في توفير أبسط الاحتياجات الأساسية لمواطنيها قطعاً لا تستطيع تحمل تكلفة توعية بقية العالم بثقافتها ولا بقيمها عن طريق الاستثمار بـ"القوة الناعمة" (الثقافية) وبرامج التبادل الطلابي والدبلوماسية الثقافية. بالتالي ينتهي بها الأمر أن تقبع طي الجهل مغمورة غير معروفة لا أحد يفهمها بل حتى أنها تشيطن ويساء الظن بها. يسيء الإعلام تمثيلها ويشوهها فيما هي تعوزها الأدوات كي ترد باستلام دفة الحديث وتسرد قصصها وتدافع عن نفسها بتحدي التحامل الإعلامي عليها.

تركيا أغنى من دول مسلمة كثيرة، لكنها مع ذلك ليست بنفس مركزية باريس وبروكسل بل وحتى أورلاندو في المخيلة والوجدان العالمي، لذا حتى لو ذاقت إسطنبول العنف نفسه الذي ذقناه، فلن تكسب التعاطف إياه.

لكن مع ذلك ليس هذا كل ما يجري من حولنا هنا.

فنحن عادة ما نتحدث عن التطرف كما لو كان خرج علينا من فراغ، كأنه بلا أسباب وكأن سياساتنا الخارجية لا تعقبها عواقب؛ حتى أننا ندهش للغاية من أن حروباً ضد العراق شنتها يد المستعمرين الغربيين قد أسهمت بكل تأكيد في خلق حاضنات لحركة إرهابية عالمية ذات تطلعات إمبريالية لغزو العالم.

على الرغم من أن محللين وخبراء كثيرين ممن يشار لهم بالبنان من أمثال آندرو باكيفيتش وكارين غرينبيرغ ومارك دانر قد بينوا لنا آثار حربنا على الإرهاب، إلا أن معظمنا يفضل البقاء على أفكاره ومعلوماته القديمة التي ألِفها واعتاد عليها حتى غدت قوالب أوتوماتيكية جاهزة في ذهنه. فمثلما نستسهل التعاطف مع من نعرفهم ونفهمهم، كذلك نستصعب قبول الحقائق التي تجبرنا على إعادة النظر في الظلم الذي ظلمناه لدولة أخرى وإدراك، أننا أسهمنا بتواطؤنا في تخريبها وانهيارها.

لهذا لا نأبه عادة لوقوع ضحايا إرهاب من المسلمين، والسبب ليس فقط أننا قد نضطر لمراجعة أفكارنا المغلوطة عن الإسلام (وكونه ديناً عنيفاً) إن اكترثنا لهؤلاء الضحايا، بل السبب أيضاً هو أننا لو اكترثنا لأجبِرنا حينئذٍ على الاعتراف بشيء من ذنبنا الذي أدى إلى التسبب للعالم بهذه الأحداث المفجعة.

إنها الصورة المعاكسة تماماً لأولئك المسلمين الذين ينفون أن يكون لداعش أي صلة بالإسلام، بل حتى أنهم يزعمون أن داعش صنيعة مؤامرة غربية.

داعش والإسلام

كثيرون منا يميلون للاعتقاد بأن داعش تشن حرباً حضارية على الغرب، لكن هنالك حقيقة مفادها أن غالبية ضحايا إرهاب داعش هم مسلمون، وهذه حقيقة تتحدى المعتقد السائد بأن داعش تمثل الإسلام وأن الغرب وحده ضحيتها المستهدفة أو حتى على الأقل أكبر ضحايا إرهابها.

طالما أن داعش حركة معادية للإسلام والمسلمين سافرة في ذلك وتوجه سهام إرهابها إلى صدور المجتمع المسلم، فإذاً ينبغي علينا أن نغيّر زاوية نظرتنا ومقاربتنا للعالم الإسلامي من أساسها.

ولعل ذلك قد يستلزم منا أن ننظر للفلسطينيين والعراقيين واليمنيين، على أنهم يساووننا في القيمة والكرامة؛ بالتالي سنضطر بشكل جدي لنطرح على أنفسنا سؤالاً هو لماذا نعامل بلدانهم بطرقٍ لا نقبل نحن أبداً أن نعامل بها -طرقٌ لو عوملنا بها لقابلناها بالعنف لو أردتم الصراحة.

في يومنا الحاضر هذا شاء القدر أن يكون الضحايا هم المسلمون، لكنهم في الماضي كانوا اليهود والأميركيين الأصليين واليابانيين.

لقد تناقشنا كثيراً وعلى العلن موضوع الصفقة الإيرانية، لكن القليلين فقط أشاروا إلى قمة النفاق حينما تكون الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح النووي ضد أهداف مدنية هي نفسها الدولة التي تحاضر الآن على أسماع العالم عن أخطار السلاح النووي.

ولهذا السبب فإن ما يجري من حولنا ليس مجرد إسلاموفوبيا وحسب، بل إن وراء الأكمة ما وراءها؛ فأحد الأسباب التي تجعلنا لا نحفل كثيراً بالضحايا المسلمين ليس مجرد جهلنا الإسلام وقلة مصادرنا في التعرف عليه. بل إن السبب الأساسي هو أننا نخشى إلقاء نظرة فاحصة عن قرب على شيء من شأنه إجبارنا على النظر إلى أنفسنا بدقة أكثر.

لماذا؟ لأننا بعد كل هذا قد لا نعجب بما نراه.

-هذا الموضوع مترجم عن موقع CNN الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد