في صحرائك.. سبعة!

بصرف النظر عن قدسية الرقم "سبعة" التي وردت في العديد من المعتقدات، الغريب أن هذه القصة تحاكي حالي وحال العديد من الشباب في يومنا هذا، فكثير منا يؤمن تماماً بقدراته ويعرف جيداً أنه لم يُخلق عبثاً، وأنه لا يزال لديه الكثير ليقدمه لهذا العالم، إلا أنه ببساطة لا يعرف من أين يبدأ، كيف، ومع مَن؟..

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/30 الساعة 06:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/30 الساعة 06:17 بتوقيت غرينتش

لو عدنا إلى ذلك المشهد اليوم، ونظرنا إلى تلك الأم التي تجري جري المجهود بين جبلين خاويين، لكنا -كعادتنا- حكمنا عليها بالجنون، وربما نتقبل فكرة جريها مرة أو مرتين بحثاً عن الماء، لكن الجري بينهما "سبع" مرات قد يبدو ضرباً من ضروب إضاعة الوقت في أمر لا يمكن تغييره، فلماذا سبع مرات إذاً؟
بصرف النظر عن قدسية الرقم "سبعة" التي وردت في العديد من المعتقدات، الغريب أن هذه القصة تحاكي حالي وحال العديد من الشباب في يومنا هذا، فكثير منا يؤمن تماماً بقدراته ويعرف جيداً أنه لم يُخلق عبثاً، وأنه لا يزال لديه الكثير ليقدمه لهذا العالم، إلا أنه ببساطة لا يعرف من أين يبدأ، كيف، ومع مَن؟..
ومن هنا تحديداً بدأت قصة السعي بين الجبلين؛ حيث استسلمت أمّنا هاجر لقدر الله، وسلّمت بأن هذا المكان غير ذي الزرع هو موطنها الحالي، وأن ما من خيار أمامها. واليوم كشباب عربي يعيش في دول ضعيفة الموارد ومحاصرة بالفتنة والقهر والظلم من كل جانب، ما علينا سوى الاستسلام لواقعنا، نعم الاستسلام، فالمشكلة التي لا يمكن تغييرها ليست مشكلة إنما واقع لا بد أن نتعلّم التعايش معه، وقد تعمدت استخدام كلمة "نتعلّم"؛ لأنني أعرف تماماً مدى صعوبة التأقلم مع واقع لسنا براضين عنه.

وحين استسلمتْ تحرّكتْ! دفع الاستسلام أمنا هاجر نحو الجري مرة تلو الأخرى بين الجبلين بحثاً عن ماء أو كلأ لابنها الرضيع ولنفسها، وأنت أيضاً بعد أن تستلم لواقعك ستبدأ بالتحرك نحو استغلال الموارد المحيطة بك رغم شحها. أعلمُ أن قلة المال تحدٍّ، أزمة السير تحدٍّ، المؤسسات التعليمية متدنية المستوى تحدٍّ، الشوارع المتسخة تحدٍّ، أما عن المجتمع؛ فحدّث ولا حرج، إلا أنني في المقابل أعلم أن الإنترنت ووسائل التواصل المختلفة المفتوحة أمامنا هي مورد لا بد من استغلاله، وأن المكتبات قليلة العدد مورد أيضاً، وأن وظيفتك الحالية التي لم ترضَ عنها يوماً مورد ثالث، كما أن التواصل مع الناجحين أو مع من يملكون عقلية النجاح مورد رابع، حتى إنني أعلم أن المجتمع ذاته هو مورد مهم للغاية.

في قصة الصفا والمروة هنالك أُم استغلت المورد الوحيد لديها؛ قدميها، وقد أتتها المياه من حيث لم تحتسب، وفي قصتنا اليوم، شباب يُفترض به أن يستغل كل الموارد بكامل طاقته مهما كان حجمها. أعرف شاباً لم يسمح له أهله بالسفر لاستكمال دراسته بالخارج رغم توافر مورد المال، بيد أنه في "أعوام" قليلة تعلّم فنوناً عجيبة في التواصل -لم يكن ليملكها لولا هذا التحدي- ليقنعهم بالسفر ويغدو اليوم "دكتوراً مهماً" في إحدى الجامعات في كندا.

هناك عقليتان في علم النفس؛ واحدة ثابتة "Fixed Mindset"، والأخرى نامية "Growing Mindset"، في الأولى يركز المرء على المعايير المتعارف عليها "للنجاح" أو "الفشل" ولا ثالث لهما، أما الثانية فهي التي تصنع من كل تجربة وسيلة للتعلّم والتطوّر بغض النظر عن النتيجة
، لذا، فالمفتاح بيدك، فإما أن تحوّل الظروف التي تمر بها إلى موارد تستشف منها الخبرات، وإما أن تحوّلها إلى عوائق للفشل. وصدقوني أنا لا أتكلم من برج عاجي، فحتى أثناء كتابتي لهذا المقال، كل ما ركزت عليه هو الخروج بأفضل ما عندي، دون أن أعرف أين سيتم نشره ومتى… وأعود لأقول: قد تجبرك الظروف أحياناً على ترك مجالات معينة وجدت شغفك فيها، إلا أن إيمانك وتحركك أو سعيك بين الصفا والمروة الخاصة بك، وأعني مواردك، سيغيّر حالك للأفضل وسيدفعك نحو الطريق الصحيح، حتى ولو بعد حين.

ولن أنسى أن أستثني من كلامي هذا كل من يلقي بأخطائه وتقاعسه وعجزه وتكاسله على شماعة الأقدار والظروف، فأصحاب تلك الفئة لن تنفعهم قراءة هذا المقال إلا إذا امتلكوا النية الحقيقية في التغيير.

ما عليك إلا أن تتفكر ثم تعمل؛ فكّر فيما تملك من مهارات وموارد، فكّر فيما ينقصك، فكّر بالمجالات التي تحبها، وتلك التي تكاد تفصح عن كرهك الشديد تجاهها، فكّر جيداً وابحث وجرّب، فالتجربة خير برهان. وبرأيي الشخصي، السعي -وإن كان غير ممنهج- لا بد له أن يزيل الضباب عن طريقك، ويفتح أمامك أبواباً مختلفة من الرزق، وما أن يرتبط بنيَّة التغيير نحو الأفضل، حتى يغدو السعي بحد ذاته نجاحاً!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد