كما اعتدت في كل صباح أن أخرج من كهفي أو كما أسميه أنا، هي بالحقيقة غرفتي التي تحيطني بأربعة جدران وكما اعتدت المزاح مع نفسي دوماً أنا وسقفها قصة من العشق، خرجت من هذا الكهف الذي دوماً ما أحبذه رغم الوحدة التي تحيطني بأشيائي خرجت إلى تلك الحديقة، هي الثانية التي اعتدت الجلوس فيها أستمع إلى تغاريد العصافير الجميلة وأترقب الورود بعضها يحزنني لأنها ذبلت وبعضها يفرحني لأنها أزهرت كعادتي كنت.
الساعة الخامسة ومع انزياح ظلمة الليل وقدوم البريق الأول وأنا أتخيل الشمس كيف بدأت تشرق كنور يرتفع ويرتفع يزيح الظلام عن هذا العالم المظلم كظلمة الإنسان، أحس القلب كالوردة التي أزهرت يزهر من جديد وكأن هذه الأصوات وهذا الفجر هي المياه التي تجري في عروقي باعثة النبض الثقيل لقلبي، تبعث النور من جديد فيه مزيحة بضعاً من الأثقال التي أحملها معي!
الهدوء يعم المكان لا شيء يبعثر الجمال رغم أنغام العصافير التي تغرد بسلام على أغصان الأشجار الشامخة التي تحيطني، أستلقي على تلك الخضرة، أعانقها وتعانقني تدغدغ روحي باعثة بسمة يكسوها الحزن، حزناً لا أعلم مصدره، ولكنه يعيش معي، تهيج الروح رغم ثقتي وأملي بالله أن القادم أجمل قد يكون بداية هذا الصباح مع انتشار ضجيج الحياة التي سأدخلها من جديد ومع انبعاث الناس بعد رحلة قصيرة في عالم الأحلام أو قد تكون غداً ما زلت مع هذا الأمل إلا منتهاه.
ابتسامة من صوت السلام ومن جمال الزهور التي تحيطني قطرات الندى المتلألئة التي تزين الأوراق والزهور تبعث انعكاس نور الشمس في عيني باعثة الأمل مجددة في قلبي، رغم ما نعيشه في بلدي رغم كل الأحداث رغم صورة الظلام وصرة الدم التي ارتوت منها تربتنا رغم الأجساد الراحلة كلها تعود أمامي أبتسم رغم الألم لأن الأمل لم يمُت هذا الذي يصبرني، لكن أعلم أن الواقع قاسٍ في هذه الحياة لأنها ليست لعبة بل هي معيشتنا تلونت وبمختلف ألوانها يجب أن نعيشها.
هكذا تعلمت منها وهكذا علمتني مدرستها ليس كل شيء كما نشتهي، بل كل شيء مقدر لنا، وكل شيء له نهاية بخير أو شر، يجب أن تظهر الصور كلها أمامنا، القبيح سيرحل إلى القبيح والجميل سيعانق الجمال، أرضنا رغم كل شيء رغم القابعين تحت التراب ما زالت تنبض بشعبها بمن يسكن بها، هم هذه الورود التي ستزهر يوماً كما تزهر الورود في تلك الجبال محطمة قساوة الصخور لتبعث الجمال والأمل كتلك الزهور التي تتلألأ عليها قطرات الندى باعثة الجمال.
رغم الزهور الذابلة التي تحيط المكان لم تشوه الصورة الجميلة ولم تعكر صفوة العصافير فما زالت تغرد ككل يوم باعثة أغنية جميلة، وتعاد كلمات جدي وكتب التاريخ التي كنت أتذمر منها، كنت أقول البطولات رحلت ولم يعد سوى السلام لم يعجبني؛ لأنه يذكر الحروب والدماء، الصراع من أجل العروش الزائلة الذى كنت أتذمر منه، كنت صغيراً حينها لا أعلم ما يخبئه لنا القادم، ولم أعلم أن التاريخ سيعاد من جديد إن كان في بلدي أو في غير مكان، فهذه الأرض هي لنا نعيش عليها نحن معشر الأنس.
تعاد الكثير من الكلمات وتعاد الصور وذلك الصراع القديم الحاضر بين الخير والشر أو بين الملائكة والشياطين بين الظلام والنور صراع قديم، لكنه يعاد هنا وهناك لكن دوما ما كان النصر حليف شيء وهو الخير رغم طول الظلم رغم طول الشر فلا بد لحمامات السلام أن تحط من جديد فقط لو اتبعنا بوصلة قلوبنا، بوصلة السلام، اتبعنا وحدة كلمتنا ووحدة أفعالنا ننسى ما لون بشرتنا، قوميتنا، ديننا، ونتذكر نحن أبناء هذا الوطن.
لدي يقين في هذه الأرض زهور ستبعث الجمال، وعصافير تغني، وحمامات سلام ستحط من جديد كما هذا الضوء الذي يزيح ظلمة الليل، وتنبعث الحياة في الصباح، سيعاد السلام وستتوحد القلوب، وسيبنى بلد أرهقته كثرة الجراح لنكون فخراً لمن ودعنا، لنكون نحن أنفسنا لهذه الأرض وولاؤنا لها، فلن يلمنا ويبعث الفرحة فينا سوى هذه الأرض، ولن تدوم إن لم نكن نحن من يحييها من جديد بوحدتنا.
ملائكة وشياطين هو الصراع بين الخير والشر، هكذا كما وصف دان براون روايته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.