تعمل مجد الوحيدي مراسلة محلية لبعض الوقت في غزة وتسهم بصفة منتظمة في مجلة The Times. وفي هذا المقال، تصف مجد رحلتها الأخيرة والنادرة إلى إسرائيل.
بصفتي مراسلة، فإنني أعرف حدود قطاع غزة جيداً. فقد قمت بالعديد من الرحلات الصحفية إلى قرية مجاورة للحدود من أجل كتابة مقال حول عمليات العبور غير القانوني.
ورغم أنني أعيش على مقربة من إسرائيل، إلا أنها تعتبر عالماً شديد البعد عني.
تفتيش ومعابر
وفي الشهر الماضي، عبرت الحدود وغادرت غزة للمرة الثالثة فقط في حياتي. كنت أتوجه إلى إسرائيل للحصول على تأشيرة للسفر إلى واشنطن.
يتضمن التأمين على جانب غزة من الحدود نقطتي تفتيش، تخضع أولهما (التي يطلق عليها أهالي غزة 4/4) لحماس، بينما تسيطر السلطة الفلسطينية على الثانية (5/5).
وتبلغ المسافة بين نقطتي التفتيش نصف ميل، لكنهما تمثلان انقساماً دائماً بين الفلسطينيين، وهو ما تحدثت عنه عام 2015.
ويعد الممر بين إسرائيل وغزة نفقاً طويلاً تحيط به الأسلاك الشائكة. وبعد المرور من 4/4 و5/5، انتقلت عبر النفق داخل توك توك يحمل شخصين أو 4 أشخاص (وتم نقل أمتعتي في سيارة أخرى).
وعند العبور هنا من نقطة تفتيش إيريز، غالباً ما ينشر الفلسطينيون صوراً للنفق على الشبكات الاجتماعية للتأكيد على وصولهم حتى هذه النقطة. التقطت صورة ولكني آثرت ألا أنشرها، حيث شعرت بأنه أمر غير منصف تجاه أهالي غزة غير القادرين على المغادرة.
ثم جاءت المحطة النهائية الإسرائيلية التي تشبه الصندوق الزجاجي الكبير.
خففت إسرائيل من وطأة القيود التي تفرضها في أعقاب الحرب الأخيرة وأصبح المئات من أهالي غزة يعبرون الحدود يومياً. وكان معظم من يحصلون على التصاريح رجال أعمال أو من العاملين المحليين بالمنظمات الدولية.
كان هناك أقل من 10 أشخاص يجلسون على المقاعد في انتظار أن ينادي الجندي الموجود بالغرفة الزجاجية على أسمائهم. وكان العديد منهم من الأمهات اللاتي يحملن أطفالهن. وأعتقد أن معظمهم من المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي.
قاموا بنداء اسمي بعد وصولي بدقائق. ومنحني الجندي الإسرائيلي الذي يجلس خلف الزجاج تصريحي وبطاقة هويتي.
من النادر أن أرى إسرائيلياً، فقد انسحبت إسرائيل من غزة عام 2005 وكنت صغيرة للغاية بحيث لا أتذكر تواجدهم. ومع ذلك، شهدت 3 حروب خلال أقل من 6 سنوات. وكانت الحرب الأخيرة مدمرة. وأتذكر الطائرات الحربية وطائرات F-16 وقذائف المدفعية.
رأيت عند معبر إيريز أعضاءً من قوات الدفاع الإسرائيلي، لكنهم يختلفون عمن رأيتهم خلال الحروب التي أودت بحياة المواطنين ودمرت المنازل. ورأيت جنوداً إسرائيليين يعملون بوظائف إدارية، وجنوداً يساعدون الراغبين في المغادرة. وتحدثت بالإنكليزية معهم لأنني شعرت بأنها الوسيلة الوحيدة لفهمي، رغم أنهم يتحدثون العربية جيداً.
أخبرني كل مَنْ مر عبر النفق بنفس الأمر: الهواء يتغير بمجرد الرحيل عن غزة ويصبح نقياً. وقد لاحظت ذلك أيضاً.
دخول القدس
وبعد ساعتين داخل السيارة الأجرة، وصلت إلى القنصلية الأميركية في القدس وانتهيت من المقابلة وحصلت على التأشيرة. وكان أمامي عدة أيام للقيام بجولة بالأماكن السياحية.
تجولت في المدينة القديمة بالقدس وصليت بالمسجد الأقصى، موقع العديد من النزاعات. وزرت الحائط الغربي وراقبت المكان خلال الصلاة.
كانت القدس مفعمة بالحياة: الموسيقى والتوابل والعطور. وكان الناس من طوائف وديانات متعددة وكان هناك العديد من الحجاج. وفي المدينة القديمة، تختلط العقائد الثلاثة – المسيحية واليهودية والإسلامية – وتقع الأماكن المقدمة على مسافة أمتار قليلة من بعضها بعضاً.
وفي اليوم التالي، قمت بزيارة حيفا. وكانت تبدو أقل ازدحاماً من القدس. وفي بعض الأماكن، كان المزج بين مختلف الأطياف واضحاً للغاية. وهناك يمكنك تقديم التحية بالعربية أو العبرية على حد سواء.
وزرت الحدائق البهائية التي يتوسطها ضريح الباب ذو القبة الذهبية. وكانت الحدائق رائعة الجمال، لكني تذكرت أن غزة لا تضم سوى حديقة عامة واحدة بميدان الجندي المجهول حيث يجلس العاطلون والفقراء.
ثم جاءت تجربتي الأكثر إثارة للمشاعر، حيث صحبتني صديقة إلى مدينة طبرية الصغيرة على شواطئ بحر الجليل. وتناولت الطعام بعد ساعات من الجوع بمطعم كيبوتز السياحي المجاور. وحينما تساءلت عن سبب خلو الشوارع، علمت أنه عيد السبت اليهودي.
دخلت المطعم ووجدت أناساً يأكلون ويضحكون. شعرت بالعصبية، حيث في أوائل اليوم كان هناك تصاعد في حدة التوتر عند الحدود بين حماس وإسرائيل.
ولكن فضولي منعني من الرحيل. تناولت السالمون وشربت البيبسي. وكنت أخشى مما قد يفعله الجميع إذا علموا أنني فلسطينية. ومع ذلك، لم يشعر أحد بأي ريبة.
فكرت أيضاً فيما سيقوله الفلسطينيون إذا ما عرفوا أنني دخلت مثل هذا المكان وتناولت الطعام به كأي سائح عادي. وقد يعتبر بعض الفلسطينيين ذلك بمثابة جريمة خيانة وتطبيع مع "العدو".
تبادلت الابتسامات مع العديد من الأشخاص، وربما ظنوا أنني كورية على غرار ما يحدث في غزة.
شعرت خلال تناول وجبتي بشعور جارف من التناغم والحب والوحدة. ورأيت مائدة أو اثنتين تجلس عليها عائلات كبيرة، حيث يقوم الأطفال بعمل الواجب المنزلي وتتجاذب النساء أطراف الحديث معاً.
وفي ذلك الوقت، اتصل بي أصدقائي وزملائي ليخبرونني بنبأ احتراق 3 أطفال حتى الموت بمخيم اللاجئين في غزة. بدأت النار بسبب إشعال شمعة أثناء انقطاع التيار الكهربائي. بكيت وفي صباح اليوم التالي، أصبحت الأمور عادية تماماً.
قمت بزيارة حدود إسرائيل مع الأردن وسوريا. وشهدت أطلالاً للمنازل وأحد المساجد ذكرتني بغزة. تحطمت المباني بعد الحرب بين إسرائيل وسوريا. وكان هناك جدارية باللغات العبرية والعربية والإنكليزية تضم قلباً أحمر كبيراً مكتوباً بداخله أحرف "BFF" وإهداءات ورسائل عاطفية وجملة واحدة بالعربية تشير إلى وصول تنظيم داعش إلى هنا "الله أكبر" وكلمة "غزة".
أجريت مقابلة مع أسرة كانت تزور المكان الذي كان خاوياً وهادئاً. كانت الجدران سوداء كما لو كانت محترقة. وتساءلت عما حدث للأشخاص الذين كانوا يعيشون ويصلون هنا.
وبعد عودتي إلى غزة بيومين، زرت منزلاً متنقلاً لأسرة نازحة كان منزلها السابق قد تعرض للتدمير خلال الحرب الأخيرة.
كان المنزل على مقربة من السياج الحدودي.
وبمجرد دخولي، تذكرت مزرعة الكيبوتز الإسرائيلية. كان هناك تناغم مماثل.
ولكن هنا في حي الكرافان ببيت حانون (شمالي غزة)، لا يوجد أي مطاعم أو مدارس أو حتى مناظر طبيعية.
- هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.