علمني أبي ألا أموت على ضفاف الأحزان.. أن أبكي كلما احتجت.. وألا أعتبر ذلك ضعفاً إنما قوة؛ لأن الدمع هو اقتلاع وجع آني بسرعة تشبه سرعة جريان الدموع خارج المقل.. علمني أن أحب الحياة وأنتظر دوماً جميلها.. أن أبتسم لنفسي أولاً فهي أول صدقة صادقة وأستحقها..
علمني أبي أن أرى الناس جميعاً بعين واحدة لكن بقلب مختلف.. أن ألعب على أرجوحة الدنيا فأفرح ولا أقع.. أن أصرخ إذا اختنقت الأيام والأسابيع في لحمي ولم يعد هناك من مناسبة للتنفس.. أن أصرخ بكل قوتي في وجه الحياة وأن أصرخ لها كي تفهم بأنني لست ضعيفة.. علمني أن أحترم عقلي وقلبي والهواء الذي يتسرب إلى أحشائي.. أن أكبر بصمت لكن بثقة.. أن أضحك وأضحك وأضحك على أحزاني قبل أفراحي.. ألا أخشى عندما أضحك عالياً من أن تعاقبني الأيام فتضرب ألحاني.. علمني أن أعزف ألحاناً كثيرة لكل يوم وكل مناسبة.. وأستخدم لذلك ريشة أحلامي وعصارة خيالاتي ورغباتي.. أن أتخيل العالم كما أريد..
علمني أبي أن أحلم كثيراً جداً.. وألا أخاف من ذلك.. وأن أثق بأن الله سيحقق أحلامي.. علمني أن أستلذ بلعبة أشتريها وأفرح بها كما لو أني طفلة أعطيت هدية العيد على غفلة من عيونها الذابلة..
علمني أن أتصالح مع نفسي.. فلا أكسرها ولا تكسرني.. ولا أخذلها ولا تخذلني.. أن أعشقها وأكلمها.. وأتحداها في الخير.. أن أقف أمام مرآتي كل يوم.. فأرى عيوبي قبل جمالي، وقبح ظنوني قبل خيالاتي المبدعة.. علمني أن أقول لعيوني بأنها ليست الأجمل.. ولشعري بأنه سيشيب يوماً.. ولجبيني بأنه سيظل شامخاً مهما كان..
علمني أن قوتي تنبع من مفاصلي وأعماقي ولحمي وذاكرتي.. من لحظات شددت فيها على فكيّ كي لا أنفجر.. من ألم يغدو كشوكة كبيرة حادة ومغروسة في أعمق مدى لقلبي.. من دمعة حارقة بللت روحي ووسادتي.
علمني أن أطير فلا تكفيني سماء.. وأسبح فأصل إلى آخر عمق مائي بشجاعة.
لكن.. نسي أبي أن يخبرني ألا أخيط جروحي قبل تنظيفها.. وألا أتوقع الخير في كل مكان وزمان.. نسي أن يذكرني بأن الشر قابع في زوايا النفوس المريضة، تلك النفوس التي تئن تحت وطأة حقدها وتوترها.. نسي أن يجهزني بمضادات المفاجآت.. وأن يهديني درعاً واقية للصدمات.
ولم يقُل لي أبي شيئاً عن الفراق.. لقد كان درسا تعلمته بالتجربة بعد رحيله لا بالنظريات.
أيها الحبيب الجميل الرائع الغالي.. إليك حيث أنت أقول: صدقت في كل ما قلت، صدق حبك وكلامك وعطاؤك.. وخسئت هذه الدنيا بما فيها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.