790 أرملة في قطاع غزة خلّفتهن الحرب الأخيرة وأخريات في حربين سابقتين أصبحن بلا معيل بالطبع، ولكنهن أيضاً يخُضن معارك شرسة أحياناً كثيرة مع مَن ينازعهن ميراث الشهيد أو ينازعهن ذواتهن، إما رغبة أو طمعاً.
وولّدت التعويضات عن الأضرار عن البيوت والمنشآت التي دمرتها الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 نزاعاً جديداً بين ذوي الشهداء والأرامل اللواتي لا يستطِعن إثبات ملكيتهن؛ نظراً لغياب القوانين التي تحفظ لهن حقوقهن.
وبعد عامين من الهدوء في قطاع غزة ما زالت المحاكم تناقش قضايا خاصة بالميراث خلّفها الشهداء، لا سيما بعد صرف التعويضات عن الأضرار، وحسب مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة بغزة، فإن هناك اتساعاً لظاهرة العنف الاقتصادي ضد النساء في المجتمع الفلسطينى، خاصة فيما يتعلق بمصادرة حق المرأة في الملكية، حتى النساء اللواتي سبق أن شاركن في تحقيق هذه الملكية مع الزوج، خاصة أثناء عملية توثيق الأضرار التي لحقت بالممتلكات، والتي لا تستطيع فيها النساء إثبات حقوقهن، وبالتالي لا يتم شملهن بالتعويضات.
وحسب المركز النسوي، فإن الخلافات على الميراث أدّت إلى مصادرة حق عدد كبير من النساء في الملكية حتى النساء اللواتي سبق أن شاركن في تحقيق هذه الملكية مع الزوج.
حرب الأرامل
"أم محمد" زوجة أحد الشهداء أنهت عقدها الثالث لا تمل من الضحك والتندر على قصص الأرامل التي تعايشها لحظة بلحظة، حتى إن هاتفها المحمول يكاد يمتلئ بأرقام نظيراتها من الأرامل، وفي كل لحظة تهاتفها إحداهن تروي آخر ما مرت به وإلى أين وصلت قضية الميراث في المحاكم والواسطات والجاهات والتدخلات لإصلاح ذات البين مع عائلة الشهيد.
"أم محمد" من شرقي محافظة خان يونس لها من الأبناء محمد وعلي، "علي" قال لجده حين طردهم من بيت العائلة: "لا يمكن أرجع تاني أنا ما بحبك وبدي أمي"، وتفشل الواسطات بالأعياد لجمع الشمل ثانية أو لتنظيم حتى زيارة بين الحفيد وجده، وهذه قصص يندى لها الجبين بقطاع غزة المحاصر والممتلئ عن بكرته بآلاف الشهداء منهم مَن خلف عائلة وزوجة وأيتاماً.
فالصراع على مخصصات الشهداء وأمواله وكفالات الأيتام بدأت نارها تخبو حيناً وتشتعل حيناً آخر، حتى إن مؤسسة نسوية قانونية طالبت مؤخراً بسن قانون يحمي حق ونصيب الزوجة في ميراث زوجها الشهيد، لا سيما أن الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 خلّفت 790 أرملة، عدد منهن يشغلن وظيفة عمومية أو خاصة وساعدن أزواجهن في بناء بيت أو تجميع ثروة صغيرة "تحويشة"، وبعد الاستشهاد برز لهن من يخاصمهن بالمحاكم ويطالب بالجزء الأكبر.
وبين المحاكم والجاهات العشائرية ترفض الأرملة بغزة إما تسليم أطفالها أو التنازل عن حقهم في أموال ومخصصات أبيهم الشهيد، وبالتالي تتصاعد المشاكل ولا تخمد إلا بقرار من المحكمة يأتي بعد مداولات طويلة.
"نهى" أيضاً من شرق القطاع استشهد زوجها وهو أحد عناصر الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية عام 2003 وترك بحضانتها طفلين، وهي كذلك تضحك من العروض الجديدة التي تتلقاها للزواج من شقيق زوجها كي تضمن العائلة بذلك مخصصاته والكفالة التي ينالها طفلاه.
وتعاني "مها" أكثر من صنفٍ من العذاب: فقد جرّف الاحتلال المنزل الذي استطاعت الحصول عليه رغم المناكفات مع أهل زوجها المتوفى، وقام الاحتلال كذلك بتجريف الأرض التي ورثتها هي وأيتامها وتعيش حالياً ببيت استأجرته وبالطبع فهي تصرف من معاش زوجها الذي تتقاتل عليه شهرياً مع أهله.
وأفضل ما تمر به الأرامل هو زهد أهل الزوج بما يخصص لأطفاله الأيتام، وهو أمر نادر حدوثه في قطاع غزة المحاصر، الذي ارتفعت به نسبة البطالة إلى ما يفوق 60%، والفقر إلى 70%، كما تؤكد الإحصاءات الأخيرة، التي تبين أن 80% من سكان قطاع غزة يعتاشون على المساعدات الغذائية.
وتقول معظم الأرامل إنه في حال لم توافق الأرملة على الزواج من شقيق الزوج، فإنها تصبح "ملعونة ومطرودة من النعمة ومغضوب عليها"، والأغلب منهن يرفضن هذا العرض لأسباب مختلفة.
رأي القضاء الشرعي
د. حسن الجوجو، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والمحكمة العليا الشرعية في غزة، قال: "إن الصراع محتدم بكل ما يتعلق بأموال الأيتام"، مشيراً إلى أن المحاكم الشرعية هي صمام الأمان في الحفاظ على هذه الأموال، قائلاً: "كما للحاضنة من ولاية وهي حضانة الأيتام، فإن للجَد الولاية الشرعية ولا بد أن نوفق بينهما".
الخبيرة الحقوقية المختصة بقضايا النساء زينب الغنيمي، مديرة مركز أبحاث واستشارات المرأة القانونية، أكدت أن هناك خللاً واضحاً في عمل مؤسسات الحكومة بغزة والقائمين على عمل المحاكم، والذين يحاولون إخضاع معاش الشهداء كحصص إرثية وتوزيعه بين الوارثين ومنح الزوجة أو الأرملة ما حصته ثُمن هذا الراتب.
وحسب "الغنيمي"، فإن هذه المراسيم تُفقد الزوجة إحساسها بالأمان، وتُشعرها أنها مجرد خادمة في بيتها لا مالكة له ولا مالكة لمعاش زوجها، وأنها فقط تقوم على خدمة ورعاية أبنائها، ذلك إضافة بالطبع لما قام به الاحتلال ضدها حين أفقدها زوجها.
وترى "الغنيمي" أن القانون الذي تسير عليه مؤسسة رعاية أسر الشهداء هو الأحق والأجدر بالاتباع؛ لأنه يعطي المرأة إن كانت تعيل أطفالاً راتب زوجها الشهيد ولا يخضعه للميراث.
وتشير "الغنيمي" إلى أن سيدات كان أزواجهن الشهداء يعملون مع حركة حماس، ويتم منحهن ثُمن راتبه يشتكين من هذا الوضع، ويؤكدن أنه لا يفي بحاجتهن وحاجات أطفالهن، وذلك بالتزامن مع إقرار المجلس التشريعي بغزة قراراً ينص على استمرار حضانة الأرملة لأطفالها إن لم ترد الزواج.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.