قبل إجراء الاستفتاء على بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، قالت الحكومة المحلية الإسكتلندية إنها ستكون بصدد تنظيم استفتاء جديد على بقائها ضمن بريطانيا في حال صوتت هذه الأخيرة لصالح الخروج من الاتحاد وصوت الإسكتلنديون للبقاء.
هذا السيناريو هو الذي حدث قبل أيام وأعقبه إعلان رئيسة الوزراء الإسكتلندية نيكولا سترجن أن حكومتها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية من أجل تنظيم استفتاء جديد حول البقاء ضمن حدود المملكة المتحدة، فلماذا يسعى الإسكتلنديون لتنظيم هذا الاستفتاء بعد أقل من عامين على استفتاء آخر صوت فيه 55 ٪ من الإسكتلنديين لصالح البقاء ضمن بريطانيا؟
1- خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
تعتبر الحكومة المحلية في إسكتلندا أن الظروف التي جرى فيها استفتاء البقاء في بريطانيا عام 2014 تغيرت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقول المسؤولون الإسكتلنديون إنه لا يمكن إرغام بلادهم على الخروج من الاتحاد الأوروبي ضد رغبتها، بعد أن صوتت كافة الدوائر الانتخابية للبقاء ضمن الاتحاد في الاستفتاء الذي جرى مؤخراً.
غير أن النتيجة جاءت ضد رغبة هؤلاء بسبب أصوات إنجلترا وويلز التي رفعت نسبة الرافضين التي وصلت في نتيجتها النهائية إلى 52 ٪، خاصة وأنه قد تم طرح مسألة عضوية إسكتلندا في الاتحاد الأوروبي أثناء الاستفتاء الأول وصرح مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن هذه العضوية غير مضمونة في حال الانفصال.
هذا الأمر كان يعني تهديداً لوضعية كثير من الأوروبيين المقيمين في إسكتلندا لأغراض العمل والدراسة من دون الحاجة لاستصدار تأشيرات أو تصاريح عمل، فصوت كثير منهم لصالح البقاء ضمن بريطانيا.
ويعد تنظيم مثل هذا الاستفتاء وعداً انتخابياً قطعه الحزب القومي الإسكتلندي على نفسه وأدرجه ضمن برنامج الحزب في انتخابات برلمان إسكتلندا التي جرت الشهر الماضي وحل الحزب فيها في المقدمة ما أهله لتشكيل الحكومة المحلية.
2-توسيع صلاحيات الحكومة المحلية
تمتلك إسكتلندا نوعاً من الحكم الذاتي الذي نشأ نتيجية تراكم صلاحيات حصلت عليها البلاد من الحكومة المركزية في لندن بعد مطالبات ونضال طويل، فقد تأسس برلمان إسكتلندا الحالي عام 1999، ويشكل الحزب الفائز بالأغلبية فيه الحكومة المحلية في البلاد، ولديه سلطة على الشؤون الصحية والتعليمية وبعض القوانين والتشريعات، لكن الحزب لا يمتلك سلطة التحكم في الأمور المالية والاقتصادية، وليس من حقه التحكم في قضايا العلاقات الخارجية أو قضايا الدفاع.
وفي حال الاستقلال، فإن هذه السلطات ستدخل في اختصاصه بشكل يرى مؤيدو الاستقلال أنه سيكون في صالح إسكتلندا التي تمتلك موارد نفطية وطبيعية وأراض تشكل أكثر من ثلث مساحة المملكة المتحدة ولا يقطنها سوى نحو خمسة ملايين نسمة من جملة خمسة وستين مليون نسمة موزعة على الثلثين الآخرين من أراضي المملكة.
3-الخروج من حكم المحافظين وتيار اليمين
في الانتخابات التشريعية البريطانية التي جرت عام 2010، صوتت معظم الدوائر الانتخابية في إسكتلندا لصالح حزب العمال، ولم يحصل حزب المحافظين سوى على مقعد واحد من جملة 59 مقعداً في إسكلتندا. ورغم ذلك، فقد صعد المحافظون إلى سدة حكم بريطانيا بسبب عدد المقاعد التي حصلوا عليها في بقية أرجاء المملكة المتحدة.
هذا الأمر عزز من قوة التيار القومي المنادي بالاستقلال ممثلاً في الحزب القومي الإسكتلندي الذي يكرر دائماً أنه مهما صوت الإسكتلنديون لحزب معين فإن أصواتهم تذهب أدراج الرياح حين يتعلق الأمر بمن يحكم البلاد، لأن من يحدد مصير الحكم هي إنجلترا بشكل رئيسي وبشكل فرعي كل من ويلز وأيرلندا الشمالية.
انعكست هذه القناعات على قطاع كبير من الإسكتلنديين في انتخابات مجلس العموم البريطاني التي جرت العام 2015، أي بعد عام واحد من الاستفتاء الذي جاءت نتيجته لصالح بقاء إسكلتندا ضمن المملكة المتحدة.
وأتت النتيجة بفوز كاسح للحزب القومي الإسكتلندي، إذ حصد 95٪ في المئة من مقاعد إسكتلندا في مجلس العموم، بينما لم تحصد الأحزاب الرئيسية كالمحافظين ذي الأغلبية أو العمال المعارض والذي أتى في المرتبة الثانية سوى على مقعد واحد فقط لكل منهما.
4-ثقافة وعادات مختلفة
هناك اختلاف في العادات والتقاليد بين إسكتلندا وبقية أرجاء المملكة المتحدة وخاصة إنجلترا، فبالإضافة لشعور الاحتلال الذي يحس به كثير من الإسكتلنديين والذي عزز منه منعهم لفترة طويلة من احتفالات قومية، فإن هناك ثقافة محلية تتجلى في المأكل والملبس والعلاقات الاجتماعية.
ويميل الإسكتلنديون إلى نمط من الديموقراطية الاشتراكية في الحكم على غرار الوضع في الدول الإسكندنافية؛ حيث تلعب الدولة دوراً رئيسياً في رفاهية المواطنين وتأمين الرعاية الصحية والخدمات التعليمية بشكل مجاني وبجودة عالية.
كما أن الإسكتلنديين ليست لديهم مشاكل مع المهاجرين والأجانب، وهم أبعد ما يكون عن التيارات اليمينية ذات النزعات الانفصالية لأسباب قومية. الأمر يفسر هذا التناقض الظاهري في رغبتهم في الاستقلال عن كيان جماعي مثل المملكة المتحدة والرغبة في الدخول في كيان آخر هو الاتحاد الأوروبي؛ على عكس معظم الدعوات الانفصالية داخل أوروبا التي ترى في تلك الأطر السياسية الجماعية نوعاً من الانتقاص من السيادة الوطنية والاعتداء عليها.
وفي كل الأحوال فإن إجراء هذا الاستفتاء لن يكون رهيناً برغبة الإسكتلنديين، فلا تزال الحكومة المركزية في لندن تمتلك مفاتيح هذا الأمر لأن البلاد تقع ضمن حدود المملكة المتحدة، لكن مطالبات الحكومة المحلية تشكل ضغطاً قوياً أفلح سابقاً في إرغام لندن على تنظيم الاستفتاء الأول قبل عامين.