تماماً كملايين البشر حول العالم، كان أليخاندرو مانيولير يحاول فهم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قبل أن يخلص إلى أن تداعيات القرار المفاجئ لبريطانيا ستكون معقدة بالنسبة للمهاجرين.
يقول مانيولير (28 عاماً)، وهو مهاجر إيطالي انتقل للعيش في المملكة المتحدة منذ عامين، "بريطانيا تقول: نحن لا نرغب في الذهاب إلى الحفل مجدداً"، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية .
كان مانيولير يمارس عمله بأحد أبرز الأسواق في لندن السبت 25 يونيو/حزيران 2016، بينما كان يتساءل "هل سأحتاج إلى فيزا؟ هل سيكلف ذلك المزيد من المال؟ سيكون المهاجرون في وضع غير جيد بالتأكيد". هكذا علق بينما كان يقدم الطلبات للزبائن، ثم أضاف قائلاً "لقد راسلني أصدقائي في إيطاليا قائلين: عد إلى بلدك يا صديقي".
الانفصاليون يُطَمئنون
شكلت قضية المهاجرين إحدى أبرز القضايا في استفتاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، حيث زعم المطالبون بالانفصال أن هذه هي الطريقة الوحيدة لخفض أعداد المهاجرين، إذ بسبب كونها عضواً في الاتحاد الأوروبي، ينبغي على بريطانيا السماح بحرية التنقل لأعضاء دول الاتحاد الأخرى والبالغ عددها 27 دولة.
وتعهد الداعون إلى انفصال بريطانيا عن الاتحاد بضمانات واضحة ألا يؤثر نظام الهجرة الجديد على مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في بريطانيا حالياً، حيث قالوا على الموقع الإلكتروني للحملة "لن يكون هناك تغيير فيما يتعلق بمواطني دول الاتحاد الأوروبي المقيمين في بريطانيا حالياً بشكل قانوني".
في المقابل، لن تكون شروط الانفصال بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي معروفة في وقت قريب، وفي الوقت الحالي، تنتشر حالة من القلق بين المهاجرين في بريطانيا والبالغ عددهم 7.5 مليون نسمة حول مستقبلهم في البلاد بينما لا يبدو أن جميعهم مرحب به.
بدا هذا القلق واضحاً يوم السبت الماضي في سوق بورو الصاخب في لندن، حيث يعمل مانيولير، والذي يجتمع فيه التجار من أنحاء العالم لبيع الخضراوات والفاكهة والأطعمة.
البولنديون أولاً
يقول أحد المهاجرين البولنديين، ويدعى لوكاس (32 عاماً)، والذي يدير محل لبيع القهوة "يتم التعامل مع المهاجرين باعتبارهم حثالة، على الرغم من أنه لا أحد يرغب في القيام بأعمالهم".
لم يرغب لوكاس في التصريح باسمه كاملًأ، إلا أنه كان سعيداً بالتحدث حول تبعات الاستفتاء مع الصحفيين والزبائن، وبينما كان يعطي بقية الحساب لامرأة اشترت منه كوباً من القهوة، قال لها "إليكِ الجنيهات الانجليزية. غداً سيكون لدينا جنيهات ويلزية وأخرى اسكتلندية، بالإضافة إلى اليورو الأيرلندي".
جاء لوكاس إلى بريطانيا بعد فترة قصيرة من توسعات الاتحاد الأوروبي وانضمام بولندا للاتحاد عام 2004، وهو التوسع الذي أتى بالكثير من مواطني أوروبا الشرقية إلى بريطانيا للحصول على فرص عمل مجزية، إلا أنه يفكر حالياً في الانتقال إلى مدينة أوروبية أخرى، حيث يقول "أنا أوروبي وأستمتع بحرية التنقل".
يمثل البولنديون أكبر نسبة من الأجانب في بريطانيا، إلا أن الناشط والصحفي البولندي جيكوب كروبا قال إنه لا يتوقع هجرات موسعة من البولنديين في بريطانيا، وعودتهم لبلادهم بسبب نتيجة التصويت، إلا أنه أضاف "خطاب الكراهية تجاه المهاجرين الذي شهدنا تخمره لسنوات يبدو مقبولاً في الوقت الحالي".
المهاجر الأول
السبت الماضي، سعى صادق خان، عمدة لندن، لطمئنة الأوروبيين في لندن، والبالغ عددهم قرابة مليون نسمة في العاصمة البريطانية، من خلال كلمة ألقاها خلال حفل للمثليين وسط العاصمة.
وذكر خان خلال كلمته أمام حشد كبير، أن المهاجرين مرحب بهم في المدينة.
وأضاف أنه أراد أن تكون لندن، والتي صوتت بأغلبية ساحقة للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، أن تكون على طاولات المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
كانت هذه بمثابة أخبار جيدة بالنسبة لكريس ستيوارت، والذي يدير أحد المحلات بسوق بورو والذي يستورد المنتجات من كرواتيا تحديداً، والتي تعد آخر المنضمين للاتحاد الأوروبي في 2013. تحدث ستيوارت بحماس عن كرواتيا، إلا أنه بدا أقل تفاؤلاً حول مستقبل كل من بريطانيا وأوروبا، ويقول "حالة عدم اليقين هي أمر مقلق. ماذا عن العملة؟ الأسعار؟ ماذا عن العاملين لدي؟".
كما عبر العديد من المهاجرين عن قلقهم من تداعيات الخطاب المعادي للأجانب الذي ظهر خلال الحملة.
بشرتك مختلفة
وقال سيف الإسلام (23 عاماً)، أثناء وقوفه لبيع بعض المنتجات المكسيكية "الناس قلقون للغاية؛ إنهم يتساءلون: هل سيظل هذا موطننا بعد الآن؟".
وأضاف سيف الإسلام، الذي انتقل إلى المملكة المتحدة قادماً من بنغلاديش في عمر 9 سنوات، أن الأقليات قلقة من أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى صعود اليمين المتطرف.
وتابع قائلاً "تقابل بعض الأشخاص الحادة والصادقة خاصة في الجيل الأكبر سناً. أحب ذلك، لكنهم يقولون: أنت لست بريطانياً لأن لبشرتك لون مختلف، مما يدفعك للتساؤل: ما الذي يحتاج المرء لفعله ليصبح بريطانياً؟"
كما استطرد "يرسل خروج بريطانيا إشارة مفادها: لا نرحب بأحد بعد الآن"، ثم توقف ليبيع كيساً من الفاصوليا السوداء لأحد الزبائن، قبل أن يتابع الحديث قائلاً "إنها تقول: الأمر خاص بنا وبطرقنا، ولقد اكتفينا مما حدث ونريد من الجميع أن يخرج. إنه وضع قاتم".
وعلى الرغم من كون خروج بريطانيا موضوعاً ساخناً في السوق، إلا أن التشاؤم لم يطل الجميع.
الدبابات في الشوارع
لوكاس روبرتو جولياني، الإيطالي البالغ من العمر 36 عاماً الذي يبيع الحلوى المستوردة من أنحاء القارة، قال "الناس الذين يصرخون قائلين: ستنتشر الدبابات في شوارع أوروبا. لن يجري الأمر كذلك، هذا محض هراء".
أما غييرمو خوسيه، الإسباني البالغ من العمر 39 عاماً الواقف خلف كومة من الحلويات الرقيقة، فقال إن معظم الأوروبيين الذين انتقلوا إلى هنا جاءوا بسبب توافر فرصة لجني المال.
وأضاف "منذ 7 سنوات، لم يكن هناك فرنسيون هنا، أما الآن فالمكان يمتلئ بهم. ربما لا يستمتعون بالزحام المروري أو الطقس أو الرحلات اليومية الطويلة، لكنهم هنا من أجل الجنيه".
كما قال إن مواطني الاتحاد الأوروبي قد ينتقلون لدولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة إذا تدهور الاقتصاد. "ربما لن تكون هذه الجزيرة ممتلئة على الدوام".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.