عذوبة

ومن الشرور في مجتماعتنا السخية في التربية اللاأخلاقية، هو بيع الكبير للصغير، القوي للضعيف، تلك الخيانة التي تنسل إلى صميم الأسرة، وتقع بين الأم وأولادها أو الأب لأولاده أو الولد لأبيه، حسب النفوذ والقوة، فتراها تتكرر على باب الزمن بمنوال واحد، وهو تسليم الضعيف لفك الحياة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/26 الساعة 04:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/26 الساعة 04:55 بتوقيت غرينتش

"1"

تبدأ الخيانة من خيانة النفس البشرية لذاتها، عندما تقوم ببث الأفكار التي تذيب الضمير الإنساني رويداً رويداً في العالم الخاص بها. وتتسرب تلك الرؤى نحو العقل المفكر الذي بدوره لا يقوم برفضها، وكل ذلك ناشئ عن طريقة حياتنا، بغض النظر عن المفاهيم والبيئة والتدين.

بشكل عام لكي نستمر بالحياة، نحتاج إلى الخيانة كانتقام ذاتي يؤدي إلى متعة للنفس، عندما تقهر فهي تحتاج إلى الخيانة، وعندما تكذب تحتاج إلى الخيانة، وعندما تضطهد تحتاج إلى الخيانة، وكذلك عندما تظلم، فهي الطبيب والدواء النافذ للعقل الباطني للشعور بالأمان والعذوبة.

لا نقول إن الخيانة هي فقط بين الرجل والمرأة، فقد تكون بين امرأتين أو الأب وابنه، بين الأصدقاء، فمفهومها مُعمَم، والأخص منها بين الرجل والمرأة، وليس الجنس وحده هو المبدأ، قد تكون بطريقة الحياة بأدق التفاصيل والمفاهيم حتى بوضع الملح داخل الطعام.

هكذا هو الإنسان ليس إلهاً فعندما نخلع العبء الاجتماعي والسياسي والديني في طريقة حياتنا نترقى لأخلاق سامية تذهب بنا نحو السماء؛ لنكون من أصحاب العقول النيرة التي لا تسمح بتداخل النفس معها. فالعقل عندما يكون في منأى عن الضغوط يكون حرا، وتكون الخيانة لا طعم لها ولا لون، فهو بطبعه محارب لعبودية النفس والجسد.

وعندما يقع تحت عبودية الجسد من أقوى أنواع الخيانة، يصبح منهجاً في مجتمعنا لخيانة الرجل والمرأة تحت اسم الحب ويبقى العقل مجمداً حتى يأخذ الجسد حقوقه، ولا يرتقي إلا في مفهوم واحد هو العشق المقدس الذي يرى الشمس وهو قليل في مجتمعاتنا، لأنه لو وجد بصيص أمل فيه لوجدنا الأعاصير والغيوم حجبت الشمس عنه، ولو عدنا بالحقائق لكانت مؤلمة.
فما توج حب إلا والسيف في غمده.

"2"

مهنة بلا أجنحة، تطيرُ بها كل امرأة لاهثة إلى فضاءات المستحيل في عالم الرجل وتعيش في التمني تحتَ قيد أحبك.
تَستعذبُ فيها كل عذابات الرجل سواء من زوجها وعشيقها، وكأن الجحيم بينهما جنة لها، تترنح في كاس الهوى بين هذا وذاك.

من أكبر فخاخ الحياة، الخيانة بين الرجل والمرأة، هو عندما يمثل دور الشهيد، هي عندما تمثل دور الملائكة، كلاهما يقعان في فخ تنتظر الحياة منهما أن يغيرا طريق حياتهما وتستغلهما لغاية في تحريك الأقدار، تلك الفكاهة التي تحدث كل دقيقة في الكون لتحرك مسامات الحياة. فعندما يخون الرجل زوجته أو حبيبته وتخون المرأة زوجها أو حبيبها، تبدأ مفارقة عجيبة في الصعود نحو أبعاد من الحب لا يذوقها إلا من ذاق طعم الخيانة، تلك الأبعاد النارية التي تُؤجج كل نواحي الجسد الفاني، فمن يقع بها يعيش خيالات من الأحلام اللذيذة التائهة، ويدخل في حرمان أبدي من الحب المقدس كالمتاهة والطريق المستقيم..

يتمنى العودة إليه وحتى لو عاد ستخرجه متاهة أخرى، وهكذا الخيانة متاهات لا جدوى منها سوى تعبئة الروح البشرية بشتى الصراعات الجميلة، وأما من لم يذق طعم الخيانة فيعيش في غيبوبة أخلاقية عذبة مثالية، شتان بين الأمرين وكلاهما حب لا يعلو أحدهما على الآخر. لم نتطرق في أي من أسباب هذه الخيانات التي أساسها ينشأ عن ارتباطات ضعيفة إما تأتي من مصالح أو فيها الظلم.. إلخ.

وإنما نتطرق في حديثنا، كيف أن الروح هي المتحكمة الأولى في الطريق إلى المتاهة أو اللامتاهة. ففي الخيانة تتحكم بنا روحنا التي تقودنا جسدياً ونفسياً وعقلياً إلى تنفيذ هذه الرغبات الجامحة أو لا، ولذلك عندما نقوم بها نقوم بكامل قوانا العقلية والجسدية والنفسية كالجريمة، لا أقول عنها إنها جريمة بمعنى الجريمة، لكنها جريمة ممتعة تقودنا إلى بداية الجريمة والخطر في حياتنا؛ ولذلك تجد أن الكذب والروح اللصوصية سائدة فيها؛ لأنها تُسرَق ولا تُوهب.

لن تتوقف الخيانة أبداً.. والقليل منا الصاعدون نحو السماء برفاهية لها ثمنها، إما السعادة المطلقة في صميم روحنا التي تهبنا الاطمئنان فنستكين على الطريق المستقيم، أو السعادة المطلقة في دخول المتاهات، فاختر عزيزي القارئ أي سعادة أنت.

"3"

ومن الشرور في مجتماعتنا السخية في التربية اللاأخلاقية، هو بيع الكبير للصغير، القوي للضعيف، تلك الخيانة التي تنسل إلى صميم الأسرة، وتقع بين الأم وأولادها أو الأب لأولاده أو الولد لأبيه، حسب النفوذ والقوة، فتراها تتكرر على باب الزمن بمنوال واحد، وهو تسليم الضعيف لفك الحياة.

لن أتطرق إلى أمثلة، فهي مؤلمة بحق البشرية، عندما يبيع الأب ابنته ويدعي الشرف، أو تبيع الأم ابنتها كذلك، أو التخلي الذي يدخل على قائمة تلك النوائب..

خيانة الأسرة لبعضها تأتي من حب المال.. والمال ما مالت النفوس إليه، تتسلط النفس على البصيرة وحتى البصر، فلا ترى إلا ما تجمع من مال، والحقائق مؤلمة كما ذكرت فالأسرة عندما يُباع ويُشترى ذووها لبعضهم تُفكك مجتمعاً بأكمله..

لا يمكننا عندما يحل الفساد الأخلاقي فيها، أن نتوارى خلف السلطة والمال لنقول إن مجتمعنا آمن، هنا في هذه الخيانات تلعب النفس دوراً كبيراً في حب السلطة والجاه والمال، وإذا كانت هذه الخيانات في مجتمع فقير، فتلك مصيبة أكبر نعلم منها أن النفس مجرم كبير إن لم توضع خلف القضبان الأخلاقية، فبالمجتمع الفقير لا مال ولا سلطة ولا جاه ليس إلا رغبات وتسلط وتمني؛ للوصول إلى المال والجاه والسلطة، وكأن أحدهما بنية للآخر يتغذى كلاهما على نفسٍ واحدة كالخير والشر لا يقوم هذا إلا بهذا ولا يوجد ذاك إلا بذاك.

المجتمع خلية إنسانية تشبه النحل والعنكبوت، والإنسان لا يتوقف عن فعل أي شيء وبأي طريقة حتى يكاد يصل في مجتمعنا إلى البطر؛ لأنه عاش بشتى الوسائل والطرق ففقد الرغبة والجموح وأصبح كل شيء بالنسبة له معروف ومتوارث وسهل.

وكل هذا يبدأ عندما يقف الإنسان أمام مرآة نفسه وذاته فيخونها قبل أن يتحرك نحو الآخرين، ولا صدق يتأتى عنا إلا بمسيح جبار لا يتبعونه، قد خلت الإنسانية من الصبر والصدق وأصبحت بلا ضمير يؤلمها، ولا شيء سيشعل هذه الضمائر ولذلك أصبحنا نرى الحروب نتيجة لفشل أول مجتمع وأول بنية فيه.. الأسرة، وكل انهيار حدث أو لم يحدث ناتج عن الخيانة التي نستهتر بها ونستعذبها.
ناهيك عزيزي القارئ عن خيانة الأصدقاء الند للند والواحد للواحد فما العذوبة فيها؟!

"4"

ومن سر القلب أنه الناظر والحاكم في كل هذه الخيانات، فالقلب لا يخون ولا يطغى عجباً منه! ولا يُشترى ولا يباع ولا ثمن له سوى الحياة أو الموت. فهل سألت نفسك إن كان لك روحان.. روح للجسد وروح للقلب أو روح واحدة، وهل تعلم أن لكل إنسان ثمناً ولا بد وإذا تعفف فإن ثمنه عالٍ، وهل تعلم ينبغي أن نموج بين الجسد والعقل والقلب لنعلم ثمن كل إنسان ولنمارس كل الضغوط وأحياناً لا نضطر إلى أي منهم يكون ثمنه واضحاً.

لماذا يبيع الإنسان نفسه وهل في مرحلة ما يتوقف؟!
الخيانة والبيع اسمان بحقيقة واحدة، نحن لا نطالب إذاً بأن نكون أنبياء أو ملائكة إن كنت بشراً عادياً ستتعرض لكل هذا وسوف تتعلم وترتقي وقد لا ترتقي فقلبك الحاكم أن تكون أخلاقياً وكاملاً أو منغمساً إلى أذنيك بكل شيء، وإذا حكمَ بالانفلات الأمني بكل سجاياه فعش متوقعاً أي شيء وإذا حكمَ باللاانفلات فعش مسجوناً تراقب الآخرين.

لا قانون.. فكما ذكرنا أن الإنسان سيذهب إلى كل الأبعاد وإلى كل التجارب، لا قانون سيوقفه، فلمَ نتعب؟ ولمَ نحاسب أنفسنا؟ ولمَ نحد من طاقاتنا؟ فما نسجنه في داخلنا سيأتي يوماً يحرره أحدهم، وكأننا نعيش في عالم عشوائي غير منظم، ومنظم في نفس الوقت، فلا بد أن ندخل المتاهة ولا بد من أن ندخل الطريق المستقيم ولا بد من كل شيء أن يحدث، ولا يعلم أحدنا على أي مدى سيذهب بنا هذا القلب قد يُغير في ليلة وضحاها ويصبح منطلقاً غير كتوم سائراً، لا عجب في أي أمر ولا في أي خيانة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد