صوّت الشعب البريطاني لصالح مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي. فماذا بعد الآن؟ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خرج في خطاب على الأمة خارج مقر 10 داونينج ستريت، معلناً بأن رئيس وزراء آخر سيخوض مفاوضات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وأنه سيستقيل من منصبه بحلول أكتوبر/تشرين الأول.
كاميرون أوضح أن عملية مغادرة الاتحاد الأوروبي سوف تستغرق سنتين على الأقل حسب الاتفاقية، ولن تتغير في تلك الأثناء سوى بعض الأمور القليلة جداً.
ومع ذلك، فإن الجنيه الإسترليني لا يزال في تراجُع في أسواق الصرف الأجنبية. وتعتقد أسواق الصرف أن "البريكسيت" سوف يعود بالضرر على الاقتصاد، ولذا، فإن المستثمرين سيرغبون في سحب أموالهم من المملكة المتحدة على الأغلب.
ارتفاع تكلفة العطلات الخارجية إلى الدول الأجنبية
من المرجح أن يصرح رئيس الوزراء بأن الحكومة مستعدة للقيام بكل ما يلزم من أجل حماية الاقتصاد البريطاني، ولكن هناك حدوداً لما يمكن أن تفعله. أما بالنسبة للتهديد الذي أعلنه جورج أوسبورن بتخصيص ميزانية للطوارئ، فغالباً سيتم التقليل من قيمة الأمر وأهميته حتى تصبح الآثار المترتبة على تصويت البريكسيت أكثر وضوحاً.
وإلى ذلك الحين، سيبقى الأمر بين يدي بنك إنجلترا ما إذا كان سيتدخل في أسواق صرف العملات الأجنبية، عن طريق شراء الجنيه الإسترليني في محاولة لتحقيق الاستقرار في قيمته.
أما عن الأثر الواقعي الأول للاستفتاء على المغادرة، فهو تراجع قيمة الجنيه الإسترليني في الخارج، مما يعني أن العطلات الخارجية للدول الأجنبية ستكون أعلى كلفة.
لن يكون هناك تغيير فوري في حالة الهجرة
يجب على رئيس الوزراء أن يقوم بإلقاء خطاب بخصوص المخاوف المُباشِرة الأخرى. فمن المرجح أن يُطَمْئِن مواطني دول الاتحاد الأوروبي الأخرى المقيمين في المملكة المتحدة ويؤكد لهم أنه لن يكون هناك أي تغييرات في وضعهم. وهذا هو ما قالته حملة المغادرة، ولذا، فإنه حتى بالرغم من أن مفاوضات البريكسيت قد اكتملت، فإن أولئك الذين لا يزالون في المملكة المتحدة، سيتم السماح لهم بالبقاء.
كما كتب جوناثان بورتس، خبير الخزانة الاقتصادية السابق، "نظراً لأننا ليس لدينا سجل للتعداد السكاني، وأن مواطني الاتحاد الأوروبي ليس مطلوباً منهم الحصول على فيزا من أجل دخول بريطانيا، فإننا لن نستطيع معرفة العدد الموجود بالفعل على أرض المملكة المتحدة في يوم 23 يونيو".
ويضيف بورتس أن الترتيب الأكثر واقعية هو ما اقترحه ستيفن وولف، المتحدث باسم حزب الاستقلال لشئون الهجرة، وهو أنه يُمْكِن لأي شخص ممن قاموا بالتسجيل للحصول على تأمين وطني قبل الاستفتاء، أن يضمن حقه الكامِل في الإقامة.
أما أثناء مفاوضات البريكسيت والتي ستستمر لحوالي عامين، فإن حرية الحركة لعمال الاتحاد الأوروبي لا تزال سارية، لكي يتمكن الناس من المجيء من الأماكن المختلفة في الاتحاد الأوروبي، ولكن بالنسبة لوضعهم كمهاجرين بعد إنهاء إجراءات البريكسيت، فلا يزال غير مؤكد.
ارتفاع مُعَدَّل التَضَخُّم
سينعكس انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني على الواردات بالطبع لتصبح تكلفتها أعلى. مما يعني أن التضخم من المرجح أن يعود، وهي ظاهرة قد يجهلها الكثير منا ولا يعتاد عليها بسبب ثبات الأسعار لفترة طويلة، إذ كان أقصى ارتفاع سُجّل هو 2% في السنة.
وقد لا يكون التأثير ملحوظاً في الأشهر القليلة الأولى. ففي البداية، سوف يقتصر ارتفاع الأسعار على السلع المستوردة، وأبرز تلك السلع ستكون المواد الغذائية والملابس، ولكن يبدو أن التضخُّم على استعداد للانتشار.
وفي حين يرحب بعض الاقتصاديين بجرعة صغيرة من التضخم باعتبارها أمراً جيداً، وذلك لأنها ستقوم بتحفيز النشاط الاقتصادي وستمنع حدوث ركود فيه وتحويله إلى تدهور تدريجي أو حتى منع الركود والكساد على المدى الطويل على غرار الطريقة اليابانية.
ارتفاع معدلات الفائدة
مشكلة التضخّم هي أن "بنك إنجلترا" مُلزم قانوناً بإبقائه قريباً من 2% سنويًا قدر المستطاع، فإن هدد الانخفاض في قيمة الجنيه برفع الأسعار بشكل أسرع من ذلك؛ سيقوم البنك برفع أسعار الفائدة.
ويعمل ذلك على مواجهة التضخم عبر 3 طرق؛ أولاً سيجعل الجنيه أكثر جاذبية لأن الودائع بالجنيه الإسترليني في هذه الحالة ستربح فائدة أعلى، وثانياً سيخفّض تكلفة الاقتراض، خاصة عن طريق إخراج أقساط الرهن العقاري من الاقتصاد، وثالثًا سيجعل من الاقتراض خياراً أكثر صعوبة وكلفة للشركات لتوسيع إنتاجها.
وربما يواجه "مارك كارني" محافظ بنك إنجلترا ولجنة السياسة النقدية به معضلة خلال الأشهر القليلة القادمة، إذ سيزيد التضخم وربما يكون الاقتصاد بالفعل في طريقه لمرحلة ركود، ولذلك، إن كانت معدلات الفائدة سترتفع، فلن يكون ذلك بنسبة كبيرة.
هل ذكر أحدهم شيئاً عن الركود؟
حذر "كارني" ووزارة الخزانة وعدد من الخبراء الاقتصاديين من عدة دول من حدوث ذلك، لكن يبدو أن الناخبين المؤيديين للمغادرة لم يصدقوهم، أو اعتقدوا أنها مجرد مبالغات وتضخيم من الآثار الصغيرة المحتملة على المدى الطويل. لكن مما لاشك فيه أن التصويت بالمغادرة سيمثل هزة سلبية للاقتصاد، إذ يغير التوقعات حول الأداء الاقتصادي في المستقبل، على الرغم من تأخّر مغادرة بريطانيا "الفعلية" للاتحاد الأوروبي لعامين على الأقل، لكن ستبدأ الشركات والمستثمرين في نقل أموالهم خارجها أو حتى تقليص خطط التوسع، إذ أنهم أضحوا أقل ثقة بشأن مايمكن أن يحدث بعد 2018.
كما يمكن أن تؤدي هذه التغيرات في التوقعات وحجم الثقة لتأثيرٍ حادٍ على الاقتصاد، يتمثل في التأثير على قرارت الاستثمار وبالتالي فرص العمل. بل إن هناك مؤشرات على أن عدم الثقة بشأن نتائج الاستفتاء قد أدت إلى تأثيرات بالفعل.
خسارة مالية
وسيحدث هذا كله بينما يكون رئيس أو رئيسة الوزراء، أياً كان، يتفاوض بشأن شروط الوصول المستقبلية لسوق الاتحاد الأوروبي الموّحدة. و لن تتأثر تجارتنا مع الاتحاد الأوروبي في تلك الأثناء، ربما باستنثناء انخفاض اهتمام بعض الشركات بالشراء منا أو البيع لنا، مع توقع ارتفاع التعريفات الجمركية في غضون عامين.
وأيًا كان وزير المالية القادم، فربما يشعر بضرورة استحداث ميزانية جديدة، فخطط الوزير "جورج أوزبورن" ستصبح عديمة الجدوى بفعل تعثر الاقتصاد، وعلى أية حال؛ لن يكون من الحكمة الاستجابة لذلك الوضع برفع الضرائب أو خفض الإنفاق، كما أن وضع ميزانية طوارئ في يوليو بعيد الاحتمال. وإن كان لابد من إجراء تعديلات، فربما يمكنها الانتظار حتى وقت إعلان الخريف الخاص بالميزانية.
وربما أيضاً لن تكون الأموال الإضافية التي وعد معسكر تأييد المغادرة بتدفقها على قطاع "خدمة الصحة الوطنية" و تسهيل الحصول على الطاقة بأسعار أقل، متاحة لبعض الوقت. فسيكون علينا أن نواصل دفع صافي قيمة مساهمتنا في ميزانية الاتحاد الأوروبي، وهو حوالي نصف ما قالته حملة تأييد المغادرة، لكنها لاتزال على أية حال تمثل 0.5% من دخلنا القومي، حتى إتمام الصفقة والخروج من عضوية الاتحاد.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا