في 18 يونيو/حزيران 2016 فجّرت صحيفة "لونوفيل أوبسيرفاتور" الفرنسية قضية أخلاقية وصفتها بالملف الأثقل على الإطلاق الذي مرّ على القضاء الفرنسي باعتباره يتعلق بسلسلة جرائم اغتصاب وتحرش جنسي ذهب ضحيتها 66 طفلاً (41 تونسياً و6 مصريين و19 طفلاً سيريلانكياً)، تتراوح أعمارهم بين 6 و17 سنة ارتكبها كهل فرنسي ومدير سابق لدار مسنين كاثوليكية في مدينة فيرساي (شمال فرنسا) أثناء رحلاته السياحية لهذه البلدان منذ سنة 2002 إلى حدود سنة 2011.
تياري دارنتيار، البالغ من العمر 52 عاماً، الذي قضت المحكمة الفرنسية، الأربعاء 22 يونيو/حزيران، بسجنه 16 سنة بتهمة ارتكاب جرائم جنسية بالخارج، اعترف أمام القضاء الفرنسي بفعلته، لكنه لم يستطع تحديد عدد ضحاياه من الأطفال، ولم يستبعد أن يكون العدد أكبر طوال فترة تنقله بين هذه البلدان بهدف السياحة الجنسية طيلة 10 سنوات.
خيوط الجريمة
قضية الاغتصاب التي هزت الرأي العام الفرنسي كشف خيوطها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI، فبراير/شباط 2011، الذي كان أول مَنْ نبه الجهات الفرنسية بالأمر، معرباً عن قلقه من وجود آلاف الملفات المرئية الفاضحة التي وقع تنزيلها عبر شبكة الإنترنت، التي تظهر كهلاً شاذاً جنسياً تحت اسم مستعار يقوم بعمليات اغتصاب وتحرش بمجموعة من الأطفال العراة.
وتم على إثر ذلك اقتفاء مصدر الصور والفيديوهات عبر الأبحاث التقنية، التي أوصلت لبيت الكهل الفرنسي تياري دارنتيار ودار المسنين في مقاطعة إيفلين، حيث كان يعمل هناك كمدير للدار.
غضب في تونس والقضاء يتحرك
حادثة اغتصاب الأطفال لم تمر مرور الكرام في تونس، لاسيما أن الصحيفة الفرنسية "لونوفيل أوبسيرفاتور"، التي كانت أول من نشر حيثيات القضية، أشارت في تقريرها إلى أن سيريلانكا هي البلد الوحيد الذي تعاونت أجهزته الأمنية والقضائية مع المحققين الفرنسيين، في حين رفضت كل من تونس ومصر التعامل معهم.
وأثار ذلك حفيظة نشطاء الشبكات الاجتماعية في تونس لتأخذ القضية منحى آخر وتدفع بوزارة العدل التونسية للخروج عن صمتها، الثلاثاء 23 يونيو/حزيران 2016، وإصدار بيان توضيحي حول القضية الذي أكدت خلاله أن القضاء التونسي يتابع مجريات القضية بالتنسيق مع المحققين الفرنسيين.
وزارة العدل تنفي الاتهامات الموجهة لها
بدوره نفى المكلف بالإعلام بوزارة العدل التونسية، سفيان السهيلي، في تصريح لـ"عربي بوست" ما جاء في تقرير الصحيفة الفرنسية، مؤكداً أن القضاء التونسي "كان على علم بحيثيات القضية قبل حتى نشرها في الصحف الفرنسية".
وأضاف أن مهمة التحقيق أوكلت في القضية إلى النيابة العامة بمحافظة سوسة (شرق البلاد)، باعتبار أن الجاني الفرنسي كان قد استقر خلال رحلته السياحية في هذه المحافظة، فضلاً عن كون أغلب الأطفال الضحايا الذي يبلغ عددهم 41 ينحدرون منها.
وقال إن وزارة العدل التونسية كان قد توصلت بإنابة قضائية دولية من القضاء الفرنسي متعلقة بشكاية ضد كهل فرنسي اتهم بارتكاب سلسلة من الجرائم الجنسية ضد أطفال قصر في تونس، "وقد تم توجيه القضية حينها إلى الجهة القضائية المختصة بتنفيذها بالتنسيق مع قاضي الاتصال الفرنسي الموجود في تونس".
بحث عن هوية الضحايا
الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية بسوسة عبدالرؤوف اليوسفي أكد بدوره لـ"عربي بوست" أن القضية الآن هي تحت أنظار قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بسوسة في إطار التنسيق بين القضاء التونسي والقضاء الفرنسي، مشيراً إلى أن الكهل الفرنسي كان مقيماً في مدينة سوسة منذ سنة 2001 وقد تمكن من الإيقاع بضحاياه من الأطفال بهذه المحافظة.
وأوضح أن "تحديد هوية الأطفال التونسيين من خلال الصور التي زودنا بها المحققون الفرنسيون صعب؛ لأن الحادثة مرّت عليها سنوات ما يعني أن ملامح الأطفال حتماً ستتغير، وهو ما يجعل سير التحقيق يأخذ حيزاً زمنياً أطول".
وختم قائلاً: "ما نؤكده كجهة قضائية تونسية أن البحث جارٍ للتعرف على المتضررين بالتنسيق مع القضاء الفرنسي".