(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [يوسف: 53]، هذه الآية من كتاب الله في أرجح الأقوال على لسان يوسف، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وفيها إشارة مهمة إلى اتهام النفس ولومها، مهما بلغ الإنسان من الدرجات العلا عند الله، فيوسف -عليه السلام- برغم أنه نبي من أنبياء الله فإنه لم يخل سبيله دون اتهام، ولم يلق باللوم على الآخرين بل أدان نفسه أولاً، على الرغم من أنه لم يقع في المعصية.
يقول صاحب الظلال: نجد شخصية يوسف -عليه السلام- وقد استقامت مع نشأتها والأحداث التي مرت بها، والابتلاءات التي اجتازتها، في ظل التربية الربانية للعبد الصالح، الذي يعد ليمكن له في الأرض، وليقوم بالدعوة إلى دين الله وهو ممكن له في الأرض، وهو قابض على مقاليد الأمور.
وأول ملامح هذه المرحلة هذا الاعتزاز بالله، والاطمئنان إليه، والثقة به، والتجرد له، والتعري من كل قيم الأرض، واستصغار شأن القوى المتحكمة فيها، وهو أن تلك القيم وهذه القوى في النفس الموصولة الأسباب بالله سبحانه وتعالى.
أقول: قصة يوسف -عليه السلام- تدفعنا دفعاً إلى الوقوف مع النفس كي نصحح مسارها، ونوجهها إلى ما فيه الخير ونحاسبها قبل أن تحاسب، ومحاسبة النفس يكون قبل العمل وبعده:
فمحاسبة النفس قبل العمل، أن ينظر العبد في هذا العمل، هل هو مقدور عليه فيعمله، مثل الصيام والقيام، أو غير مقدورٍ عليه فيتركه، ثم ينظر هل في فعله خير في الدنيا والآخرة فيعمله، أو في عمله شر في الدنيا والآخرة فيتركه، ثم ينظر هل هذا العمل لله تعالى أم هو للبشر، فإن كان سيعمله لله فعله، وإن كانت نيته لغيره تركه.
ومحاسبة النفس بعد العمل ثلاثة أنواع:
النوع الأول: محاسبة النفس على طاعاتٍ قصرت فيها، كتركها للإخلاص أو للمتابعة، أو ترك العمل المطلوب كترك الذكر اليومي، أو ترك قراءة القرآن، أو ترك صلاة الجماعة أو ترك السنن الرواتب، ومحاسبة النفس في هذا النوع يكون بإكمال النقص وإصلاح الخطأ، والمسارعة في الخيرات وترك النواهي والمنكرات، والتوبة منها، والإكثار من الاستغفار، ومراقبة الله عز وجل ومحاسبة القلب والعمل على سلامته ومحاسبة اللسان فيمـا قاله، وإشغاله إما بالخير أو بالصمت، وكذلك يكون بمحاسبة العين فيما نظرت، فيطلقها في الحلال ويغضها عن الحرام، وبمحاسبة الأذن ما الذي سمعته، وهكذا جميع الجوارح.
النوع الثاني: من أنواع محاسبة النفس بعد العمل أن يحاسب نفسه على كل عملٍ كان تركه خيراً من فعله؛ لأنه أطاع فيه الهوى والنفس، وهو نافذة على المعاصي، ولأنه من المتشابه.
النوع الثالث: أن يحاسب الإنسان نفسه على أمرٍ مباح أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة فيربح، أم أراد به الناس والدنيا فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.
ولمحاسبة النفس فوائد، منها: الاطلاع على عيوب النفس، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه معالجته وإزالته، والتوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.
معرفة حق الله تعالى، فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى.
رد الحقوق إلى أهلها، ومحاولة تصحيح ما فات.
يقول الحسن البصري: "إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاته، يستقصرها في كل ما يفعل، فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضي قدماً لا يعاتب نفسه".
ويقول أحد شعراء السلف:
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا ** فإنما الربح والخسران في العمل
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.