قلبك ينبض لتبقى حياً، وقلب أمي ينبض لنبقى أحياء، هي أمي، نبضات قلبها تتميز عن نبض قلبي وقلبك، فقلبها هو مصدر الحب والحنان الكامن والمنثور والمفقود في حياتنا؛ لذلك فالجنة تحت أقدام الأمهات، باختصار هي الأم.
مضى عام ولم أرَ أمي، مر 365 يوماً ولم أجمل نظرة عيوني برؤيتها… لكن دعواتها وصلواتها وعطفها رافقني أينما ذهبت مع دعوتها الاعتيادية "روحي يا بنتي ربي يحبب فيكِ كل من شافك".. مضى عام وأنا بعيدة عن أمي، أجد ثمرة هذه الدعوة تتحقق لي أينما كنت في فرحي، في حزني، في احتياجي، هي دعوة أُم بينها وبين أبواب السماء اتصال وثيق لا يخيب، وإن لم يتحقق فهو مؤجل لحين لزومه.
في الغربة نمضي، ترافقنا أحلامنا الصغيرة والكبيرة، نسعى، نهرول، نقترب من الوصول، نصادف العثرات، نواجه المصاعب، لا يعوزنا في تلك اللحظات سوى تلك الدعوات الصادقة؛ لتجعل من المستحيل معقولاً، ومن المضني جميلاً، ومن التعب ألماً، ومن الموجع مفرحاً، ومن البشع رائعاً… باختصار هي دعوة أمي.
في كثير من الأوقات حينما نواجه المواقف الصعبة نظن في أنفسنا فتوراً وفي أدائنا تقصيراً، لا ننظر لتلك الغاية المبطنة لمواجهتنا لتلك الأمور؛ لتجعل منا ذلك الشخص المتمكن الحاضر القادر على التكيف وحل المشكلات، وأن يخلق مراده كيفما يريد إن استعان بقدراته ووثق بربه، وأخيراً تيقن من تلك الدعوات التي تصعد لباب السماء له في كل اللحظات… باختصار هي دعوة أمي.
ما زلت أحلم بأن أحقق مرادي من غربتي، ما زالت تلك الأهداف تشعل دربي في كل وقت، لا ينقصني سوى قُبلة تحت قدم أمي.. فهي منذ ثلاثة شهور عانت من كسر في قدمها أفقدها الحركة بشكل مؤقت، كم تمنيت يا أمي لو كان بيدي أن أبدل قدمي بقدمك؛ لتدب الحركة في قدمك من جديد، ولأتحمل ذلك الألم الذي اعتل صحتك وأفقدك كل طاقتك الجسمانية، كم تمنيت يا أمي في كل ليلة أحادثك فيها وأنتِ تتألمين لو بيدي أن أتحمل ألمك، فكم تألمتِ يا أمي لأجلي ولأجلنا جميعاً طوال حياتنا.. تتألمين لنكون سعداء..
آه يا أمي لو تعلمين كم الألم والحسرة التي أشعر بها؛ لأنك تتألمين وتتوجعين وأنا بعيدة عنك، ومع ذلك يا أمي في أضنى وجعك وألمك دعواتك لا تفارقني وتنير دربي دوماً أينما كنت… فعلاً هي دعوة أمي.
كم حلمت لو وطني ليس بالمحاصر ولا المعزول عن العالم لتتهيأ لي الفرصة لتقبيل قدم أمي، كم أتمنى والكثيرون مثلي لو أن غزة هاشم محط أمن للدخول والخروج منه بسهولة، من المؤكد تلك ضريبة الغربة، خصوصاً لكل مغترب من غزة، لو استطعت الخروج، تذكرة عودتك لأماكنك المفضلة وأصدقائك المقربين ولجو عائلتك الأسري ستكلفك الكثير، فدوماً سوف تجابه تلك البوابة الشاقة المسماة بوابة معبر رفح البري لا بد من مجابهتها شهوراً أو أكثر لتستطيع الخروج مرة أخرى.
الوجع هنا لا مقياس له، فتأثيره تعدد في كل جانب من جوانب حياة صاحبها، فعودة صاحبها لذكرياته ولكل ما يحب هي بمثابة الفرح الحزين، فرحك لعودتك لما تحب وحزن لتركك ما صنعت وحققت؛ لذلك الاختيار هنا ليس بالخيار المطروح، بل هو بمثابة شرط إجباري لا مفر منه.
أنا هنا في وطني الثاني الأردن، المسافات بيني وبين وطني ليست بالكثيرة، لكن تلك الحواجز والجسور خلقت بعداً طويلاً بيننا مع أنه يمكنني أن أكون خلال ساعات في أحضانك وتحت قدميك يا أمي، ذلك أصعب ما في الغربة البعد المشروط، فدوماً فرحة المغترب مختلطة بوجع البعد المضني.
لذا اسمح لي يا أمي بأن يكون لي شرف الدعاء لك في هذا الشهر الفضيل، أدعو ربي أن تأخذ من صحتي وعافيتي لتكون لأمي صحة وعافية ومقدرة على الحركة من جديد، هي دعوتي يا أمي لا تساوي في ميزان دعواتك شيئاً، لا مقارنة بين تضحياتك العظيمة وصغر تضحياتي.. هي دعوتي يا أمي أتوجه بها لله -عز وجل- لعل المراد يكون قريباً وتكونين بخير.
في بُعدي عنك لا أملك سوى الدعاء لكِ؛ لعلي بدعائي ألمس قدميك في خيالي، ويكون لي نصيب قُبلة تحت قدم أمي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.