رمضان في بغداد مدينة المنصور وقِبلته التي أنشأها للعلماء، ورغم ما يجري للعراق من أحداث، يكاد يكون ممزوجاً بين الحداثة والفلكلورية، فما زال الناس كما عهدناهم يشاركون طعام موائد إفطارهم مع جيرانهم وأقاربهم، ولو زرت زقاقاً بغدادياً في الساعة الأخيرة قبل الإفطار تجد "مهرجاناً لتبادل الأطباق"، ولوجدت مزيجاً من روائح الأكلات المنوعة، ويتصدر المائدة عادةً حساء (شوربة) العدس أو الحضار، والكبة الحلبية، وربما المشويات.
ولو تركنا المائدة وتحولنا للحديث عن نشاطات الناس في رمضان، نجد الحياة طبيعية في بداية النهار، عند العصر، تبدأ الأسواق الشعبية ومحال المواد الغذائية والخضار بالاكتظاظ للتسوق اليومي، وعلى شجن صوت القرآن لقارئ المقام يقضي البغداديون حاجاتهم، ويبدأ باعة الحلويات الجوالون بإغراء الصائمين، وكذلك محلات الحلويات الراقية، وما أن يرفع الأذان حتى تكاد الشوارع تكون خاوية إلى وقت صلاة التراويح في أغلب مناطق بغداد.
وفي الليل تبدأ العوائل بالتمتع بالأجواء الرمضانية، فمنهم من يخرج مع عائلته إلى حديقة، ومنهم من يكتفي بالجلوس في المنزل مشاهداً التلفاز، وهناك من يذهب لصلاة التراويح منفرداً أو بصحبة رفاقه أو عائلته، ونجد أجواء بغدادية أصيلة عند بوابات مساجد بغداد العريقة، حيث تكون مكاناً لإلقاء التحية على الأصدقاء والجيران، وصوت الإمام يدعو للوحدة الوطنية في صلاة الوتر أو بعد الصلاة، ونرى قلوب الناس تخشع إذا سمعت الدعاء للوطن، وأن يكون كما كان، أو إذا سمعوا "اللهم وحد قلوبنا"، وهذا هو لسان حال العراقيين عند الدعاء، اليوم ومنذ ثلاثة عشر عاماً، نفس التمنيات ونفس الدعوات، ونجد إقبالاً ملحوظاً من قِبل سكان بغداد على مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، ففي تويتر مثلاً، نجد الوسم "الهاشتاغ" العراقي يعتلي قائمة الأكثر تغريداً وبعد أغلب البرامج التلفزيونية أو على غرار الأحداث الجارية على الساحة العراقية والمتزامنة مع شهر رمضان.
لكن شهر رمضان "الكريم" في بغداد هذا العام والعام الذي سبق مر على النازحين من مناطق النزاع المسلح في شمال وغرب العراق بقسوة لما ذاقوه قبل وصولهم لبغداد أو ما تبقى من المحافظات، مع أن البغداديين لم يتركوا الفقراء من منكوبي المحافظات الساخنة في شهر الفقراء فتجد الحملات الذاتية من قبل الأهالي لتوفير سلات غذائية ومؤن للنازحين الذين يتركزون في مناطق غرب بغداد كأبوغريب والعامرية واليرموك والجامعة والمنصور.
ورغم كل مآسي العراقيين المتتالية، تجدهم استقبلوا الشهر الفضيل بابتسامة ورضاء مطلق بالقدر، وكأن كل شخص منهم واعظ تحدى مرارة أعوام وأعطى للصبر درساً في الصبر، فعادات العراقيين المعهودة لا تزال كما هي، ومع التغييرات التي طرأت على عادات هذا الكوكب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.