سهام اللاءات

تفجرت في نفسي ينابيع "لماذا" كما عهدتها دائماً، لماذا ذاك الشاب الغربي يملك من الثقة بنفسه وعلمه ما لا يملكه كثير منا مع وفرة علمنا؟ لماذا تبقى معلوماتنا حبيسة عقولنا لا نملك الجرأة على طرحها ومناقشتها؟ هل الثقة هذه مولودةٌ معنا أم أنها مكتسبة؟ لماذا معظمنا لا يملك الثقة بقدراته بينما أكثر المجتمعات الغربية هي تركيبةٌ من أناسٍ يثقون بما يقولون وما يصنعون؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/21 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/21 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش

قوي، متمكن، منظم ومؤثر ذاك الذي يلقي المحاضرة، يتحرك حركاتٍ متناسقة، يعطي معلوماتٍ موثوقة، يحاور محاوراتٍ مفتوحة، ويرد بردودٍ مقنعة؛ هو بارعٌ في التدريب والإلقاء؛ مع أنه شاب ولم يخُض بعد غمار تجارب الحياة كما خاضها غيره بالنظر إلى عمره، صحيح أنني ألقيت بعض المحاضرات ودرّبت بعض الدورات، ولكنني لم أكن كذاك الشاب، لم أكن كقوته، لم أكن واثقاً كما كان هو.

حدثتني نفسي أن السرّ هو في الصفات المميزة التي يملكها ذلك الشاب ولا يملكها إلا القليل من أمثاله، ففتشت في الذين من حولي عمن يملك قريباً من تلك الصفات فوجدت كثيراً من الشباب لديهم ما لدى ذلك الشاب وربما أكثر، وجدت الكثير منهم لديهم من العلم والخبرة ومهارات التواصل ما يؤهلهم لإلقاء المحاضرات في أكبر المؤتمرات وتدريب أعلى القيادات، ولكن تنقصهم صفة واحدة:
"صفة رفعت ذاك المحاضر وخفضت آخرين، صفة دفعت بالبعض إلى القمة وأبقت آخرين عند سفح الجبل يترقبون بحسرة، إنها الثقة بالنفس".

تفجرت في نفسي ينابيع "لماذا" كما عهدتها دائماً، لماذا ذاك الشاب الغربي يملك من الثقة بنفسه وعلمه ما لا يملكه كثير منا مع وفرة علمنا؟ لماذا تبقى معلوماتنا حبيسة عقولنا لا نملك الجرأة على طرحها ومناقشتها؟ هل الثقة هذه مولودةٌ معنا أم أنها مكتسبة؟ لماذا معظمنا لا يملك الثقة بقدراته بينما أكثر المجتمعات الغربية هي تركيبةٌ من أناسٍ يثقون بما يقولون وما يصنعون؟

كتب أحد أهم خبراء التطوير المهني في أميركا (د. جون كرامبولز) كتابه (افشل بسرعة، افشل كل حين) يتحدث فيه عن أن التجارب وإن كانت فاشلةً فإنها ليست عيباً وإنما تنضيجٌ للشخصية وتعلّمٌ من الحياة، وهي حاجةٌ لا بد منها، وهذا هو المبدأ الذي أسسّه لطلابه وساروا عليه بعده.

وبينما تلاطمني أمواج التساؤلات، وإذا بي أتذكر عندما كنا صغاراً نحاول أن ندلي بآرائنا أمام أهلينا ومن حولنا فيُلاقى ذلك بالصدّ وربما الاستهزاء، كنا إذا رغبنا في المشاركة في حديثٍ مع الكبار كمموا أفواهنا وأمطرونا بوابلٍ من سهام اللاءات: لا تتحدث في حضرة الكبار، لا تناقش، لا تشارك في الحديث، لا تمزح، لا تخطئ، لا تتنفس، لا لا لا. ويأتي بعدها دور المدرسة والجامعة والعمل ليعزز هذا المرض، ويورثنا التردد والخوف من التجربة والخطأ.

نشأنا نحسب ألف حسابٍ لأي "لا" قبل أن نتفوه بأي كلمةٍ، أصبحت اللاءات هذه تطاردنا في كل مكان، حاضرةً معنا في كل المناسبات، شريكةً لنا في أكثر القرارات…."أصبحت تلك اللاءات مثبطةً لنا في مواكبة ركب الحضارات"

لقد عزمت أن أحاربك أيتها الـ"لا" بمصلٍ مضادٍ للمرض، لا أريد أن ألقي اللوم على أحد، أريد أن أغير من حالي، أريد أن أتداوى بدواءٍ شافٍ من العقد. سأحاربك أيتها الـ"لا" بسلاح "نعم"، سأقول نعم للثقة بالنفس، نعم للشخصية القوية، نعم للتجارب وإن كانت فاشلة، نعم للمحاولات وإن كانت مخجلة، نعم لحياةٍ جديدةٍ وإن كانت متأخرة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد