محلوظة: هذه التدوينة بها بعض الكلمات باللهجة العامية المصرية
يمكنك قراءة الجزء الأول من تلك التدوينة من هنا لأن الآتي هو الجزء الثاني
استمر هذا الروتين بشكل يومي… نذهب للدروس صباحاً ونحل الواجبات ليلاً، ونأكل بين هذا وذاك، وننام حفنة ساعات متفرقة.
مع انتهاء الفصل الدراسي الأول ظهرت مشكلة جديدة… فأصبحنا الآن لا نذاكر فقط ونستوعب الدروس الجديدة فقط ولكن علينا مراجعة ما أنهيناه في الترم الأول؛ لأن الامتحان شامل كامل متكامل.. وبدأت الطاحونة الحقيقية… الصداع النصفي أصبح شيئاً اعتيادياً ولم يعد أي من الشاي والنسكافيه والكابتشينو يؤثر في بقائنا مستيقظين.
مما لا شك فيه أن لياقتنا انخفضت بنسبة 90% فلم يمارس أغلبنا الرياضة منذ شهور.
بدأت لأول مرة في حياتي أشاهد حالات إغماء خلال الدروس خاصة لفتيات، طبعاً لا أعلم إلى الآن إذا كان ذلك بسبب التوتر الناتج عن اقتراب الامتحانات أو بسبب قلة النوم، ولكن مما لا شك فيه أن ما عبرناه يخالف أبسط حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحتى حقوق الحيوان.
بقي من الزمن مائة يوم على الامتحان.. بدأ المعلمون يكررون نفس السيناريو الممل يدخل المدرس نافخاً أوداجه لعلمه مدى احتياجنا له في هذه الفترة العصيبة؛ ليلقي علينا عبارة لا يملك غيرها "أنجدوا أنفسكم قبل أن تأتي نهايتكم!" وبالطبع كان هذا يفزعنا بدلاً من أن يطمئننا… وبدأت أرى من لم يكن يفتح كتاباً يذاكر، وحاول الجميع إنقاذ ما يمكن إنقاذه وكأننا فعلاً لم نكن نذاكر منذ بداية العام!
بدأت بعض المواد تصبح أسهل كالكيمياء والفيزياء، وبدأت بعض المواد الأخرى تفرد عضلاتها ليس لصعوبتها ولكن لحجمها اللانهائي وطبعاً يتربع العربي على هؤلاء يدخن الشيشة ومن بعده الرياضيات بفروعها المتعددة.. وهذه المواد الطويلة تمتلك في جيبها نصف الدرجة أي 200 درجة من أصل 400 والأربع درجات بواحد في المائة.. صرنا نحسب ما نتوقع أن نخسره من درجات قبل أن ندخل الامتحان! أصبحنا نعيش في أحلام وكوابيس ليس خلال نومنا فقط ولكنها أصبحت تطاردنا حتي في يقظتنا، وفجأة دخل مدرس اللغة الفرنسية ليتوقف الزمن.. نعم توقف عندما أخبرنا متأنقاً كعادته أنه تبقى شهر واحد على الامتحان! وكأننا لم نكن نعلم مسبقاً أن الامتحان في شهر يونيو/حزيران وكأننا فوجئنا بالفعل لنغني "فوجئت من المفاجأة ونزلت دمعتي".
شهر واحد؟؟ ما ذاكرتش حاجة!! لأ أنا مذاكر كل حاجة…لا ما ذاكرتش… ذاكرت… ما ذاكرتش… ذاكرت… ما ذاكرتش.
بدأ بعضنا من ضعيفي القلوب يعانون من أعراض الصراخ الهستيري في منتصف الليل.. عندما كنت أنظر إلى المرآة كنت أرى شخصاً آخر تماماً… أين ذهبت الابتسامة الصافية والشعر المرتب؟ من هذا الشخص النحيف المرهق ومتى ظهرت في عينه تلك العروق الحمراء؟؟ لا أعلم.
تن تن تن تن عشرة أيام على الامتحانات.. أخبرنا المدرسون أن نكتفي بمذاكرة العربي والحق أني لم ألتزم بهذه الأوامر ولكن كانت لكل شخص أولوياته ونقاط ضعفه التي يدركها ويتخذ قراراته على أساسها المهم أني مع نهاية اليوم التاسع كنت مستلقياً على السرير محملقاً في السقف، فيم كنت أفكر؟ لا بد أنه كان شيئاً مهماً ولكن لا تسعفني ذاكرتي في تذكره ومع ذلك أتذكر استلقائي على السرير في هذه اللحظات التاريخية.. غالباً التوتر كله كان ليلة الامتحان الأول ليس فقط لكونه الأول، ولكن لكونه "عربي" وما أدراك ما العربي!… عندما هممت بالنوم حاولت ألا أفكر، ثم فكرت في عدم التفكير.
ثم ضحكت ضحكة هستيرية عندما تخيلت نفسي بعد الامتحان وتساءلت هل يوجد ما يمكن فعله بعد كل ما فعلته؟ وانخرطت في نوم عميق أشبه بالغيبوبة، أحمد الله على هذا النوم حتى اليوم… واستيقظت صباحاً وذهبت للامتحان وسط دعوات الجميع في هذا اليوم التاريخي، وبعدما عدت انهالت علي الأسئلة من كل حدب وصوب، واستمر التليفون بالرنين طوال اليوم، وكانت إجابتي الوحيدة: الحمد لله أفرغت كل ما في عقلي من المنهج في الورقة والامتحان كان طويلاً، ولكن لم يكن صعباً بحمد الله.. وهكذا شعرنا جميعاً بسعادة خفية أو لذة غامضة بعد امتحان العربي، لا أعلم مصدرها ولكنها كانت تبث فينا شعوراً بأن هماً كبيراً قد تمت إزاحته بنجاح.. ثم توالى طابور الامتحانات كما تتوالى الرصاصات على جسد الميت.. لم تعد الامتحانات تؤثر فينا كالعربي فقد اكتسبنا المناعة أخيراً.. لم تكن فترة الامتحانات صعبة وإنما الضغط هو الصعب، ولم يكن أي من الامتحانات صعباً وإنما طويلاً أو به مسألة جديدة تستلزم حسن تقسيم الوقت لحلها… كان هناك من يحل بشكل صائب وكان هناك من يخرج مهموماً، بجانب من يخرج مبتسماً، ولكن لا شك أن جميعنا شعرنا بالرضا، فكل شخص سيحصل على قدر مجهوده.. أنهينا آخر امتحاناتنا ومع ذلك ظللنا في قلق دائم حتى ظهور النتيجة، وهنا استراحت نفوسنا جميعاً وفرح الجميع بما حصل عليه، طبعاً فرح كل من حصل على درجة جيدة، وحتى لو حصل طالب من الطلاب على مجموع ليس بالمرتفع، ففي النهاية لقد اجتهد والباقي ما هو إلا قضاء وقدر ونصيب من الله تعالى.. فرحة لا تضاهيها فرحة لانتهائنا من هذا الكابوس إلى الأبد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.