دعوة إسلامية.. “نص مقلية”

لإسلام لا يحتاج إلى معجزة مادية لينتشر فهو في حد ذاته معجزة، فصورة "الحمامة الساجدة" لا تعبر عن عظمة هذا الدين كما تعبر عنه "أحكام الميراث في الإسلام"

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/20 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/20 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش

لا لم ينتهِ زمن المعجزات بعد، فها هو الرجل يبكي فرحاً والناس حوله يبكون متأثرين وهم يلتقطون له الصور بهواتفهم الذكية حينما ارتد بصيراً فجأة بعد دعائه في الحرم المكي بدعاء سيدنا أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

صحيح أنه كان ضريراً يرتدي ساعة يد ويضع في جيب قميصه نظارة، إلا أن الكثير صدقوه وراحوا يتجمعون حوله في غبطة وسرور وتأثر، وبعدما انفضوا عنه تحسسوا جيوبهم فلم يجد أغلبهم هاتفه المحمول أو حافظة نقوده، لكنهم ما زالوا مقتنعين بما رأوه ويروونه لأهلهم وذويهم، ومن يملك فيهم حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي يعيد نشر هذا المقطع؛ ليتأثر به عدد أكبر من المسلمين مبتغياً الثواب من الله عزَّ وجل!!

أذكر أن صورة انتشرت على جدران المحال التجارية وداخل المساجد في أوائل التسعينات تظهر فيها مجموعة أشجار متجاورة كونت شكل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، مذيلة بتعليق في أسفلها أن هذه الشجرة ظهرت في إحدى حدائق (برلين)، وأن الحكومة الألمانية ضربت حولها سوراً؛ كي لا يراها الناس فيتحولون للإسلام فور رؤيتها، حتى تبين في النهاية أن رساماً محترفاً قاده خياله لرسمها وطباعتها ومن ثم نشرها.

إذا راجعت سريعاً بعض فصول تاريخ الأمم المختلفة فستجد أن عصور الانحطاط الحضاري ترتبط غالباً بانتشار الخرافات وتدني مستوى الفنون والشعر وتفشي الجهل والعكس صحيح، فمدينة أندلسية واحدة كقرطبة أيام حكم الملك المظفر (عبدالرحمن الناصر) كانت تحوي 70 مكتبة بها 400 ألف كتاب، وكان بها أعظم جامعتين في العالم يسعى إليهما طلاب العلم من جميع أنحاء أوروبا، والآن يأتي ترتيب أكبر بلد عربي من حيث جودة التعليم في المستوى الـ"قبل الأخير" ويتفاخر طلابها بتسريب الامتحانات قبل بدئها.

الأمر كذلك يتخطى العلم والتعليم وينسحب على الدعوة إلى الله، فتنتشر الرسائل "سابقة التجهيز" على مواقع التواصل الاجتماعي التي غالباً لا يكون الراسل قد قرأها أصلاً، والدعاء بصوت الشيخ فلان كنغمات انتظار على الهواتف الجوالة، ومنشورات تحوي صور "الحمامة الساجدة في الحرم" و"حبة الموز المكتوب على قشرتها لفظ الجلالة" تدعو عليك بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم تعد نشرها، وتطبيقات تنشر بشكل تلقائي أدعية وأذكاراً لمتابعيك ثم في طياتها تنشر أيضا إعلانات عن "مزيل الشعر بدون ألم"!!

الدعاء المسجوع بتكلف في القيام، وافتعال البكاء والتأثر، وقصة المرأة التي اتسع كفنها فجأة بعد موتها، وصوت الداعية ذي اللحية البيضاء الناصعة وهو يصرخ في وجهك من خلف مكتبه الأبنوسي الفاخر، وابتسامة مصطنعة من آخر يجلس بجوار مسبح يتوسط حديقة غناء في فندق 5 نجوم، كل تلك الوسائل لا تصنع إلا تديناً سطحياً يتلاشى ليلة العيد بعد وضع خطة محكمة لقضائه طولاً وعرضاً.

المشكلة -من وجهة نظري- تكمن في المتلقي نفسه الذي يقبل أن يكون عقله سلة دون غطاء يلقي فيها مَن يشاء ما يريد، فهو غالباً لم يتعلم منذ صغره كيف يكون تفكيره ناقداً يقيم الأمور ويزنها قبل أن يقتنع بها ويرددها، تماماً كالشخص الذي يشتهي الوجبات السريعة مع معرفته بأضرارها؛ لأنه لا يريد أن يجهد نفسه في صنع طعام جيد، ثم يدمنها حتى تكون سبباً في هلاكه يوماً ما.

الإسلام لا يحتاج إلى معجزة مادية لينتشر فهو في حد ذاته معجزة، فصورة "الحمامة الساجدة" لا تعبر عن عظمة هذا الدين كما تعبر عنه "أحكام الميراث في الإسلام" وكيفية توازنها ومراعاتها الدقيقة للظروف الاجتماعية المعقدة
، قد تتأثر فعلاً عندما تقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يحب عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، أو كيف كيف كان يعامل أهل بيته أكثر من تأثرك برؤية صورتك الـ(سيلفي) مع قبره الشريف، ستشعر بقلبك يخفق فعلاً من خشية الله حينما ترتجل الدعاء وتتلو الأذكار التي تخطر ببالك عند الطواف بالكعبة لا عندما تمسك كتاباً تتلو منه وتهز رأسك كما يفعل حاخامات اليهود متباكين باستفزاز عند حائط (البراق)، أو ما يسمونه زوراً (حائط المبكى).

"إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" (حديث ضعيف).

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد