بات من الصعب في تفاصيل أنفسنا المليئة بالآلام، أن نفرق في لحظة حزن أو لحظة غضب في أي بقعة نحن في بقعة المعصية أم في بقعة الطاعة.
قريب منك أخ أو أب أو من الأقارب الذين يأمر الشرع بأن تتواصل معهم يمزقونك ألماً كلما حدثتهم، فتؤلمك نفسك وتعز عليك، فتكون بين الخيارين لا تعرف أين أنت بينهما بين أن ترضي نفسك بالابتعاد عنهم أو بين إرضاء ربك بالتقرب من ذوي رحم كاشحين ومحاولة وصلهم، تلك المحاولة غير المجدية.
أخ لك في الله، هو صديق جمعتك به أيام بعضها طيبة وبعضها مما يمر على الناس من ضيق، كإنسان واعٍ تدرك أنه يخونك في عباراته، فتجد أن عباراته مسمومة مغلفة بالطيب مضمونها قبيح، فيصد قلبك عنه أياماً.. وأيام، وترتاح بالبعد أكثر من راحتك بالاتصال به والقرب، فتكون بين نارين بين نار المعصية والطاعة.
حبيب لك، تعشقه وتتمنى أن تراه لا أن تراه فحسب، بل أن تضمه لينسيك مجموعة من الآلام تراكمت عليك لسنوات، تلتقيه في مطار وما إن تراه يدمع قلبك قبل عينيك أقصى ما تستطيع البوح به هو كلمة مرحباً، الباقي ضمن المعصية.. كل ما تخيلته في ذهنك ضمن المعصية، فتنأى عنه لترضي الله، فتقع مرة ثالثة بين الطاعة والمعصية.
تحدثك نفسك برغبتك بأن تنتقم ممن آذاك أن تنتقم وبشدة، وتقول بينك وبين نفسك ما إن أمسك به حتى أصفعه وأركله وووو.. تراه فتحجم، إذا سلم رددت السلام بأفضل، وإن سألك شيئاً أجبت عليه بكرم ولباقة، أنهى عمله فخرج بطريقة قبيحة دون سلام أو دون كلمة شكراً تراودك نفسك للمرة الألف أن تلحق به وتركله من الخلف وتقول له يا.. وكذا وكذا.. وقعت للمرة الرابعة بين الدائرتين..
شريك حياتك استمرت به علاقتك لسنوات تخطئ وهو يخطئ.. تتخاصمان ثم تعودان للمودة، يخطئ.. فتسامح.. تتوقف أنت عن الأخطاء الاولى.. تحاول أن تدفع بالطائرة كي تحلق، يخطئ بحقك أخرى، تسامح.. تسامح للمرة الألف، تحاول أن تجعل الطائرة تقلع، لكنه يشدك بقوة للأرض لا يريد للعلاقة أن تقلع حرة في السماء، فجأة تتعب تتوقف نهائياً عن المسامحة، يتصل تتوقف عن الإجابة يرسل وسائط من الطرفين صديق له أو صديق لك، أو صديق مشترك لحل النزاع، ترفض حتى سماع المبرر، تقع للمرة الخامسة بين المعصية، وهي هنا كبر النفس وبين الطاعة، الصلح خير بينك وبين من تربطك به الأواصر لتعود طائرتكما إلى الإقلاع، لكنك من يرفض هذه المرة، لقد حاولت مراراً أن تحرر الأجنحة وتحرك الذيل وتفك الارتباط بالأرض، لكن ما من فائدة فتقع، كما وقعت سابقاً بين الرضاءين..
أن ترضي نفسك أو أن ترضي ربك..
وتحتاج وبعمق أن تقول يا رب لقد ظلموني..
يا رب ما عدتُ قادراً على أن أسامح الأخ، ولا أن ألتفت للحبيب الذي ذهب لأني خشيت غضبك، ولا للصديق الذي طَعن للمرة الألف، ولا للزوج الذي خان موعد طائرة الإقلاع وألصق العلاقة بالأرض، ولا ذلك اللئيم الذي اعتدى وودتَ ركله..
فتقول بصراحة وأنت جاثٍ على ركبتيك، لقد تعبت يا رب.. تعبت لم أعد أستطيع أن أعرف هل ما يرضيني يرضيك؟ أم أن ما يرضيك يؤلمني أحياناً..
لقد تعبت يا رب..
تتوعك ليوم.. ليومين، تنام في السرير، تسمع صوت أذان الفجر يشق الوجود، تنهض وتصلي وتشكر الله ثانية وثالثة ورابعة على أنه أعطاك القدرة لتسجد، وأعطاك القدرة لتسامح أحياناً..
والأهم أعطاك القدرة لتنسى..
فتنسى إساءة الأخ، أو تتناساها، وكذا تركك للحبيب ولحاقك بزوج لا يجيد قيادة طائرة، وكذا بصديق خانك ألف مرة، وتتحمل للمرة المليون الأشخاص الذين تراهم يومياً وتتمنى ركلهم.. وتتذكر أنك إنسان لا تركل وأن الدواب فقط من تفعل..
تمسح دموعك بعد الصلاة.. تغسل وجهك ترتدي أجمل ما لديك، وتخرج تبحث عن رزقك، وتنظر للسماء تنتظر الانعتاق، تفرح بصوت ضحكة طفل، بزهرة عابقة بالعطر، بابتسامة فقير ناولته بعض المال، برجل كبير دَلَلتهُ على الطريق، تكتشف أن ما يسعدك ليس ما تبحث عنه..
بل ما يأتيك دون تفكير ودون معرفة..
فسامحنا يا رب…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.