في أوقات نكسات الأوطان، يتردى فهم قيمة القوة، فنجد لها تعريفات وأوصاف تنافي كل خلق قويم وكل نفس سوية.
في تلك الأوقات يُمرض الأقوياءَ ثقلُ المصاب، فيجدها الضعفاء فرصة سانحة ليفرضوا تعريفاً جديداً لمعني القوة، هم لا يستطيعون أن يرتقوا؛ لذا كان عليهم أن يبذلوا كل الجهد ليسحبوا الجميع إلى أسفل.
فأن تكون قوياً..
ألّا تسلم وترفع الراية البيضاء، رغم كل تلك الطعنات التي تلقيتها، فواجبك أن تظل تعلم الناس معنى القوة حتى لا تنمحي كل فضيلة، فلا أحد إن سقطت الراية من يدك سيرفعها من بعدك.
ألا تكذب على نفسك، أن تكون دقيقاً، محدداً معها، ألا تكون في الظلام شيطاناً وفي النور ملاكاً، أن تدرك ذلك الخط الرفيع بين التدليس على نفسك وبين حق جلي وجب عليك اتباعه.
ألا تنادي بفضيلة خلت منها روحك، ألا تنادي برذيلة تدعي بها الجرأة والجسارة، فلا قوة شريفة تكمن في أجسام الضباع.
أن ترفع رأسك دائماً بابتسامة رضا لا تعني فرحك بالضرورة قدر ما تعني تحديك لكل من يحاول كسر معاني قوتك التي هم ليسوا ببالغيها.
أن تكون واضحاً، واثقاً، متوافقاً، تملك رؤية، تصنع فكراً، تملك هدفاً.
أن تملك جرأة الحق إلى تلك الدرجة التي تصوب بها عينيك في عيني محدثك مباشرة، دون أن يطرف لك جفن، ودون أن يطرف لك نبض.
أن تصبر حين لن يلومك أحد إن استشطت غضباً، وإن انتقمت قصاصاً.
أن تملك زمام أمرك لا يضرك من ضل ولا يثنيك عن الترقي إلى المعالي من جبن.
أن تكون ضياءً يُهتدى بها في ظُلَم يعيشها الناس دون أن تنتظر شكراً، أن تقيم ما تهدَّم من جدران حياتهم دون أن تتخذ عليها أجراً.
أن تكون ملجأً حين الضياع، أن تكون دفة تعرف الطريق، أن تكون شراعاً يحمل الأمل إلى حيث الاطمئنان.
أن تكون لمن حولك مرجعاً لا يأسف على حاله حين ينساه الناس ولا يذكرونه إلا حين حاجتهم، فذلك في حد ذاته من أعمق عناصر القوة التي لا يدركها من يعودون إليك في كل مرة.
أن تكون متجدداً وقت تكرار الحياة بشكل رتيب يميت الأحلام، ويحطم سفن الآمال.
أن تصير خيط فجر يفرق به الناس بين النهار والليل، بين الحق والضلال، بين الأبيض والأسود.
ألا يرضيك أن تترك الصبي الذي طالما كذب حين استغاث بك من الغرق استخفافاً بقدرك، فقد تكون أنت في لحظة أمله الأخير.
أن تكون لديك ملكة تحويل مسار الباطل إلى حق، والمعصية إلى طاعة، والرذيلة إلى فضيلة.
أن يكون لديك من اتساع الأفق ورحابة القلب ما يجعلك تفهم ما بين سطور حروف الناس، ما يختبئ خلف ابتسامتهم وعبوسهم، حديثهم الذي تحكيه عيونهم ولا تلفظه شفاههم، أن تفهم ذلك الطفل الضعيف المختبئ داخل قلوبهم.
ألا تقهر ولو امتلكت كل أدوات القهر بقصف كلامي أو سم لساني أو تهديد دنيء بالكشف عن زلات.
أن تكون لديك القدرة على المبادأة والاقتحام بخطوات محسوبة في غير حمق.
أن تسبق رحمتك غضبك، فغضب القوي أمضى في النفوس من السيوف، وإن رحمته وحلمه لهما أجدى وأنفع في أغلب الأحوال.
أن تكون قوياً هو ألا تفقد اليقين، ألا يهتز الثبات، ألا تتداخل الألوان، ألا تختلط الأحكام، ألا تتشوش الرؤية، ألا يضيع الطريق.
بلى أيها القوى، وجودك في هذا العالم كالجبال التي يرسي بها الله الأرض، وإن أراد ضعفاء النفوس أن يعطوك دور الذبابة حين ينتجون حياة تعكس كل قيمة فترفع الدنيء وتحط من قدر كل كريم.
عزيزي القوي، لا تبتعد، أعلم أنهم قد أنهكوا قواك بجلدهم في حروب الباطل، ونشبوا فيك مخالب رذائلهم حتى لا يبقى من يشهد على عهود شرف، جل ما تحتاجه أن تربض كما الأسود على ضفاف نهر يغسل جراحك، ويجدد عزيمتك، ويمنحك السلام، لتعود فتستعيد دورك في المعركة، معركة بين الحق والباطل، بين القوة والضعف، نشأت منذ بدء الخليقة ولن تنتهي إلا بقيامة تقوم عليها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.