طوبى لمن بقي ثابتاً في زمن الحرب، ذلك الزمن الذي يخرج فيهِ للضوء أسوأ ما يقيم داخل الإنسان.
من أنانية ضّيقة ووحشية تندفع من داخله بفعل الظروف لتقول له صارع لأجل البقاء.. فالبقاء اليوم لا للأخيّر بل للأكثر شراً ولا للأصلح بل للأفسد، فيشرّع المحرم ويحرّم المشرع ويعطي نفسه الشرعية باعتبار ذلك ضرورة من ضروريات الواقع.
في الحروب يطلق معظم البشر العنان لما يقيم داخلهم من مشاعر كانت تختبئ خلف القناع في زمن السلم فلا حاجة اليوم للقناع ولا حاجة لإخفاء ما في الأنفس ولا حاجة لإخماد الفساد الذي زاد عن حده فلم يعد بالإمكان كبحه، فالبقاء اليوم خير مطلب وخير منال يُسعى إليه فتفك النفس لثامها ولجامها وتأخذ "الأمارة بالسوء" المقود لتبادر بزمام المبادرة فتؤكل الحقوق وتضيع الواجبات ويستشري الظلم وينتشر الفساد بالعدوى.
والمصيبة أن كل ذلك لا يجد طريقه في البلاد التي تعاني الحروب وحسب، بل يجد طريقه في دول الجوار، إلا ما رحم ربي، فهذه الدول سيلحقها الضرر أيضاً اقتصادياً واجتماعياً -كلاهما أو أحدهما- مما يؤدي إلى انعكاس هذا الضرر على شعوب هذه الدول أيضاً، فيحيدُ جزءٌ منها عن الدرب لينضموا إلى قافلة الصراع لأجل البقاء، فينتشر ضياع الحقوق وتعيد الدورة دورتها.
الخير والشر كفتا ميزان، فإنْ غلبت كفة الخير انتشر وفاض، وإن غلبت كفة الشر شقت الشرور طريقها بين الناس، فالحروب كما قال أحدهم أجمل خبر فيها هو خبر انتهاؤها.
لما لها من سلبيات لا يمكن أن يدركها سوى من يراقب عن كثب ويحصي النتائج
وليت سلبياتها تقتصر على دمار البنيان أو الدمار المادي.
بل تمتد لتشمل الأخطر والأشرس والأعتى دمار منظومة الأخلاق لدى الفرد.. الفرد الذي يتشكل منه الشعب، فماذا يبقى من خير الشعب إذا فسد الفرد
لكن في المقابل لا يفنى الخير ولا يفتقد ولا يخفت ولا يبهت، فمن يضيء سواد الليل غير النجوم؟!
ومن أخذ دور النجوم اليوم هم أولئك الذين ثبتوا ثبوت الجبال الرواسي وشمخوا شموخ النخيل.
فكانوا منارة تنير الدروب وورداً شق طريقه وسط الصحراء
عن أولئك الذين ثبتوا أتحدث.. عن أولئك الذين لم تهزهم رياح الحرب، ولم تهدم من خيرهم مساحة شبر.. أولئك الذين يراقبون ذلك التغيير الذي ملأ قلوب أقاربهم وأصدقائهم ومعارفهم وهم يتحسرون ويتألمون عليهم، لكن قلوبهم لا تخلو من مساحة فرح بأنهم لم يلحقوا بركبهم ولم يسلكوا مسلكهم.
أولئك الذين اتخذوا الإيمان سلاحاً لهم لأجل البقاء وآمنوا بأن الله مخلصهم، فمهما استطال الليل بسوادهِ وأمعن، فلا بد أن يغلبهُ أول شعاع من بزوغ فجر جديد، فما من محنة إلا وانتهت، وما من أزمة إلا وفرجت، وما من حرب إلا وأخمدت، وما من مدافع إلا وانطفأت.. الأمر مسألة وقت لا أكثر والتاريخ خير شاهد.
قال تعالى في محكم تنزيله {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
صدق الله العظيم
فلكل محنة حكمة.. والحكمة تكمن في الصبر.. وما بعد الصبر إلا الفرج..
فطوبى للصابرين..
طوبى للثابتين…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.