في محراب الانعتاق

دارت الدنيا امام "زكريا" النبي المرسل من الله ، كان امام درس عظيم تقدمه له فتاه مازالت في سنوات شبابها الاولى ، درس جعله يعيد النظر في كل حياته خلال لحظات قليله ، تفكر كيف أنه لم ينتبه طوال هذه السنوات التي بحث فيها عن الولد ، إلى ان " هو من عند الله " هي السر

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/18 الساعة 03:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/18 الساعة 03:03 بتوقيت غرينتش

خطوة بعد خطوة كان يقترب أكثر من خلوتها الصغيرة ، توقف لثواني اراح فيها جسده العجوز وتحسس قطع الخبز التي احضرها ليتأكد من عدم سقوطها ، واستند من جديد إلى عكازه ليقطع ما تبقى من أمتار تفصله عن لقاء الفتاة التي يتمنى كل من في المدينة أن يرعاها ويكفلها ، ولم يفز بذلك سواه .

طرقتان فقط كانتا كافيتين لأن تدرك " مريم " وصول ضيفها الوحيد " زكريا " ، بصوتها الدافئ اذنت له بالدخول ، لتلتقي عيناه القلقتان بوجهها الصبوح ، فتطمئن لأن حالها جيد ، كما يحدث في كل مرة ، لكن شيء ما تغير ، فمع اقترابه منها ليقدم لها ما توفر له من طعام ، وجد ما يثير الدهشة ، صنوف من الفاكهة في غير الآوان ، ولينطلق سؤاله راكدا تجاه اجابتها : " يا مريم أنى لكي هذا " ، لتأتيه الاجابة دون تأخر : "هو من عند الله ".

دارت الدنيا امام "زكريا" النبي المرسل من الله ، كان امام درس عظيم تقدمه له فتاه مازالت في سنوات شبابها الاولى ، درس جعله يعيد النظر في كل حياته خلال لحظات قليله ، تفكر كيف أنه لم ينتبه طوال هذه السنوات التي بحث فيها عن الولد ، إلى ان " هو من عند الله " هي السر ، و ان عقم زوجته وشيخوخته اسباب يمكن أن تنتهي ، وليست آلهه يجب ان يستسلم لها.

كانت الشمس تشرق بكل معنى الكلمة في قلب " زكريا " ، لتبدد ظلاما ظل متلبسا به ، ولان شمس المعرفة تنبت الافعال بأقصى مما يمكن أن يتخيل أي انسان ، فقد رفع " زكريا " يداه متوجها إلى ربه ، مستعينا بالمنظور الجديد الذي اعاد تشكيل ما كان يعتقده في السابق ، داعيا الله ان يرزقه الولد ، دون أن يفكر في الاسباب ، دون أن يفكر في " أنى لكي هذا" ، فالدرس العظيم الذي علمته له " مريم " يقول : " الذي أوجد الاسباب لتكون طريقا منطقيا لحدوث الخلق ، يمكن أن يخلق ما يشاء من الاسباب لتكون أيضا طريقا لحدوث الخلق ، بل ويخلق بدون أسباب ، لانه لا يحتاجها ابدا ".

ما اشد احتياجنا لأن نتعلم هذه المرة من " زكريا " ، الذي لم يتكبر ابدا وهو النبي من ان يتعلم من الفتاة التي تصغره بعشرات السنين ، والاهم انه قام في ثواني معدودات بمراجعة كاملة لأخطائه ، دون أن يتعثر في أي لحظة بأفكاره التي لازمته لسنوات وسنوات ، لم يقل : " أنا لا ينطبق علي هذا القانون ، حالتي مختلفة ، الظروف ليست في صالحي "، ولم يتأخر مطلقا عن ارتداء نظارة منظوره الجديد ، ويخطوا باتجاه الفعل .

إذا كان درس الانعتاق من عبادة الاسباب عظيم ، فإن درس الانعتاق من قيود الافكار القديمة ، ومما سماه القرآن " هذا ما وجدنا عليه آبائنا " ، والمبادرة باتجاه ما اصبحنا نؤمن به ، لا يقل عنه عظمه .

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد