الوطن.. وواقع الإنسان العربي المرير!

كيف سنؤرخ زماننا هذا؟ بكلمات أم بسطر أم بسطرين أم بكتاب أم بمجلد؟ فكل إنسان هنا عبارة عن رواية أو عدة روايات، تستطيع أن تكتب عنها بجوانب عدة، نحن مثقلون بالوطن وبكل تلك الهموم والآلام، وبكل هذه التناقضات التي تكبلنا وتكبل أفكارنا

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/15 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/15 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش

ارتباطنا بهذا البلد متجذر تجذر الحزن العميق منذ الاستباحات السابقة لبغداد، فلا يسع الواحد منا أن ينفك عما يحدث في بلدي، حزن أصبح هو خليل كل عراقي، سواء كان في الداخل أو الخارج، تناحر وفساد وقتل وتهجير وتفجير وتدمير وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في كل الجوانب، وكأننا في متتالية طويلة أو هو مسلسل من عدة أجزاء لا يعرف أحد منا من هو البطل؟ فالبطل في رأي شخص قد يكون هو الشرير في رأي الآخر، والحق في نظر أحدهم هو عين الباطل في عين الآخر!! وهكذا نزيف الدم مستمر إلى ما لا يعلم أحد متى سيتوقف.

وتكتمل الحبكة بأن هناك أناساً صامتين يقفون على الحياد، قلوبهم تميل وتشجع وتحزن وتبغض لكن بصمت قاتل قد ينفجر كبركان من صدورهم بأية لحظة، أنصار الوطن القليلون في محنة حقيقية، ليس لديهم إلا الكلمة التي دائماً ما تكون نصف حقيقية أو مجروحة بمضمون مبطن ينهار أدباً ليفهم مَن يفهم وهم أيضاً القلة القليلة.

هوس إلغاء الآخر من كل شيء، من الوطن، من الأرض، من الحياة، حتى من منصات التواصل الاجتماعي، هو الرائج الآن، وقد ضاعت الكلمة الطيبة بين كثرة الكلمات الخبيثة، وماذا بعد أن تلغي الآخر؟ هل نعيش في بلد من دون تنوع كما عاش الذين من قبلنا بسلام؟

حفل الشتائم اليومي أصبح مملاً، وتكرار أسماء السياسيين الفاسدين أصبح مقرفاً ومقرفاً جداً بقدر ما سببوه من جوع وألم إلى هذا الشعب المسكين، وحتى من هاجر وسكن خارجاً لا يسعه أن يتخلص من لعنات بلاد ما بين النهرين، أو بلاد ما بين القهرين، فهو أيضاً يشارك بكل حفلاتنا الشتائمية الدرامية وتمنيات الموت للآخر، وكأننا في احتفال مقدس من نوع آخر يقتضي بتمني أبشع وسائل وطرق الموت للآخرين.

صفحات الحرية واسعة الصدر فقد سمحت لنا أن نكتب ما نشاء إلكترونيا على شكل بوست ممل آخر مشابه لملايين الكتابات المملة الأخرى، من يستطيع أن يقرأ كل هذا دون أن يصاب بالجنون، جنون بدأت أستشعره وأستغربه هل وصلنا إلى هنا؟ وماذا بعد؟ أو لعله استسلام وليس جنوناً.

"قوائم الشهداء المعلقة في الذاكرة كالمفاتيح كل واحد منها يفتح باباً لقصة حزن وألم لا تنتهي بقراءة سورة الفاتحة"
وطن حملنا به منذ أن ولدنا ونترقب قوافل الشهداء ونحن صغار في حرب الثماني سنوات، وحصار حقير لفح كياننا لفحاً وأسقط كرامة الكثير منا، واحتلال بغيض أو تغيير أو تحرير أو بكل ما عبر عنه العراقيون خلال هذه السنوات العجاف التي عرفنا منها كل ما ألقت به الدنيا تمثلت بطائفية وقتل وتشريد وتهجير وسرقة وتنكيل وإهانات وسبي واغتصاب، وتطول القائمة التي لا تنتهي بأوصاف أو كلمات، فهناك أفعال سيئة لا يستطيع أن يعبر أي إنسان عن مدى بشاعتها.

كيف سنؤرخ زماننا هذا؟ بكلمات أم بسطر أم بسطرين أم بكتاب أم بمجلد؟ فكل إنسان هنا عبارة عن رواية أو عدة روايات، تستطيع أن تكتب عنها بجوانب عدة، نحن مثقلون بالوطن وبكل تلك الهموم والآلام، وبكل هذه التناقضات التي تكبلنا وتكبل أفكارنا، لن ننفك منها أو ننساها، هذا قدرنا وإن هربنا إلى المجهول وحصلنا على رفاهية الجسد فلن نحصل على راحة البال أبداً، وكوابيس الوطن، فالليالي الحالكة لا تسمح لنا برفاهية اختيار الأحلام، قدرنا هذه الأرض أن نكون أبناءها، وقدرنا أن نحمل كل هذا الحزن بقدر ما ذرف دجلة والفرات من دموع كل الذين مروا بهذه الأرض.

ومع كل هذا نحن لن نستسلم، وسنكتب عن كل شيء حسن ونرفعه فوق كل سيئ، وستكون للناس الخيرين بصمة أينما كانوا، الشامخين بشموخ نخيلها الثابت في التراب، رغم كل الظروف، وكما قال الشاعر أحمد بخيت:" معي في الحقيبة قبضة طين وشتلة نخل ونهر بكاء.. سأزرع في كل شبر عراق".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد