هناك فارق كبير بين الصالح والمصلح، فالصالح هو الذي يُصلح من نفسه ويهذبها في السلوك والأفعال والأقوال، أما المصلح فيتعدى ذلك لغيره، بمعنى آخر: الصالح صالح في نفسه ولنفسه، أما المصلح فهو صالح في نفسه ويدعو غيره للصلاح والتزام الأخلاق الحسنة في كل شيء من الأفعال والأقوال والممارسات.
يقول ابن باز: الصالح من عباد الله الذي يقوم بحق الله وبحق عباده، هذا هو الصالح، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فالصالحون هم الذين يقومون بحقوق الله من أداء فرائضه وترك محارمه، وأداء حق العباد من أداء الأمانة والنصح لهم، وعدم غشهم، وبذل السلام، ورد السلام، وأداء الأمانات ونحو ذلك، هذا هو الصالح.
والمصلح هو الذي يتولى إصلاح الناس، ويتولى توجيههم وإرشادهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والأخذ على يد السفيه ونحو ذلك، فهذا هو صالح ومصلح، يتقي الله في نفسه، ويجتهد في إصلاح غيره، فهذا صالح مصلح.
ولذلك لا غضاضة في أن تكون صالحاً، وهذا بطبيعة الحال لا يزعج الآخرين، وخصوصاً الأنظمة المستبدة، ويهمهم أن يهتم الإنسان بنفسه دون الدخول في شؤون الآخرين، أما إذا تعدّى الأمر للغير وأصبح مُصلحاً ويريد إصلاح المجتمع والحكومة وغير ذلك فهذا محظور مرفوض من تلك الأنظمة.
وإذا تأملنا حال النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل بعثته نجد أن قريشاً وصفته بالصادق الأمين، وكانت تلجأ إليه في كثير من الأحيان وتضع عنده ودائعها، ولكنه حينما تحوّل إلى مُصلح بعد البعثة، انقلبت الأمور ووصفوه بأقبح الأوصاف؛ فمرة شاعر، وأخرى كاهن، وثالثة مجنون، إلى آخر الأوصاف القبيحة، ولم يكتفوا بذلك بل حاربوه، وأخرجوه من وطنه، فاضطر -صلى الله عليه وسلم- أن يهاجر من مكة موطنه الأصلي إلى المدينة أرض الهجرة والأنصار.
إن الأمة أحوج ما تكون إلى نموذج الفرد الصالح المصلح، الذي يتحرك بصلاحه وعلمه، وفقهه، وأخلاقه، وسلوكه بين الناس، يعيش في قلب الواقع بحلوه ووحله، يوقظ النائم، يذكر الغافل، ينصح المقصر، ينبه العاصي، يشجع الجاد، يحيي السنة ويميت البدعة، يرد الناس إلى الله رداً جميلاً، يأمر بالمعروف بمعروف، وينهى عن المنكر بمعروف، يرد الظالم عن ظلمه، ويرد الناس إلى الله، وإلى منهج الله، وإلى كتاب الله، يحبب عباد الله إلى الله، ويحبب الله إلى عباده، وإلا فما فائدة صلاح الصالحين، وعلم العالمين، وتقوى المتقين دون أن يكون لها أثر ومردود؟!
إن مشكلة الكثيرين منا أننا نخلط بين الوسائل والأهداف، فمثلا الصلاة والزكاة والصيام والحج ما هي إلا وسائل، وسائل الهدف منها خلق إنسان صالح في المجتمع، هذا الإنسان الصالح إذا ما تحقق في المجتمع ووجد، فيجب أن يكون له دور في العمل وفي الإصلاح، دور في البناء، وفي تقليل هوامش الفساد في المجتمع، دور في جعل الإنسان، يعيش على هذه الأرض بالطريقة التي يحبها الله ورسوله، وليس مطلوباً منه أن ينعزل عن الناس ومشاكلهم وهمومهم.
وفي هذه الحالة ينال الإنسان من الابتلاءات الكثير، طالما أنه يدعو غيره إلى الخير، وعليه أن يصبر ويحتسب الأجر والثواب من الله.
فهيا بنا ننطلق من دائرة الصلاح في ذاتنا إلى الإصلاح في المجتمع، ولنضع جميعاً نصب أعيننا أن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً، أما الكبير الذي يحمل هذا العبء فما له والنوم وما له والراحة وما له والفراش الدافئ وما له والعيش الهادئ وما له المتاع المريح! كما يقول سيد قطب (رحمه الله).
وقد وصف الله المصلحين بأنهم أولئك الذين يدعون الناس إلى التمسك بالإسلام والقرآن، بل ووصف هذا الفعل بأنه من أفعال المصلحين، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف: 170].