لا بأس من ضجيج يرسم لحياتك تفاصيل ظاهرة وذات نور وجغرافيا أمينة، حتى إذا مضى حين من الدهر عليه، ترى تلك التفاصيل كم كانت لحظات مفصلية بين السالب والموجب وذات أثر كبير على مجرى الحياة وشقائها ونعيمها.
وتكاد في يوم من الأيام تلعن ذلك الضجيج الذي اخترته، وتندب حظك العاثر بصخرة سوء تدبيرك أو شماتة الأعداء من حولك -حسب ظنك- وتحسب نفسك ضحية الأيام، وليس بيدك حيلة أو أفعال، وتنسى نفسك أنك بذلك الضجيج نسيت المسبب والمسبب له، وربما كان خيرا لك وأنت على أعتاب ظلام وهمي تعيشه.
أدرك أن أول طريق الضجيج مؤلم، ولا يكاد يمر يوم وأمامك وجهتان لتمضي على ركبة الحياة، إحداهما أن تندم على الزمن الذي عزمت على إدخال الضجيج في حياتك أو إن كان قدرك أن تتعايش مع الضجيج بإطار خارج عن إرادتك، والآخر أن تهب لنفسك يقيناً بأن هذه الأيام ستمضي، وبأن الألم الذي تحمله سيندمل بلسماً، وتعدّ العدة ليوم يشخص فيه بصرك، وترى مقعدك في المستقبل وحياة سعيدة وسلام.
ليس في جعبتي خرافات أسردها إليك؛ كي ترنو إلى خيال بلا جسم يسند إليه، وليس بجعبتي سراب ماء أدعوك أن تلتجئ إليه وتصطدم باللامكان وتعيش على شربة ماء ليوم مضى، إنما حقيقة أسردها إليك، بأنك لن تعيش مطمئناً وذا شأن لنفسك، ولمن حولك إن لم يحدث تغيير هابط ومرتفع لتمثيل حياتك البياني، ويكون محورها الأفقي الذي يسند عليه حياتك مدى تقدمك الشخصي والاجتماعي غير مهمل لروحانيتك، على مدى محور رأسي يتبعه الزمن مرافقاً.
وكثير من الناس يعيشون على مبدأ الأمان لا التغيير، ولكن ذلك لن يمنعهم من الشعور بخيبة الأمل وفقدان الأمان الكلي، عندما يقارنون حالهم بمن هم أفضل منهم، لا شك أن أمان ( لا تغيير والحفاظ على واقع مسالم) لن يدوم طويلاً إن كنت تعيش في بيئة متغيره ومتغايرة لما يحدث حولها من تصادمات بين القديم والجديد وبين الأب والجد.
وفي بعض الأحيان يكون هذا التغيير إلزامياً وضرورياً للأفراد كي تستجيب لمتغيرات الحياة وضجيجها المناوب، وخير مثال إصدارات شركة مايكروسوفت المكتبية، بحيث تعتمد إدارة شركة ما على إصدار أوفيس 2014 مثلاً، وخبرة بعض موظفيها التي لا تتجاوز الأوفيس 2007، وفي هذه الحالة يكون التغيير ملزماً لجميع موظفيها ولا يعد الثبات على ما هو عليه سابقاً (الأمان).
فهب لنفسك ضجيجاً تذهب به إلى غابة، تعارك به مع تشابك الأغصان والأشجار وعثرات الحجارة، وأنت متيقن وذو إيمان بصير أن نهاية الطريق في الغابة غنيمة ثمنها غالٍ تستحق منك هذا الضجيج والألم والشوك المرير؛ كي ترنو إلى عالم جميل تود أن تكون فيه.
وقد يتساءل صاحبي: وأي ضجيج تقصده؟!
– لا تذهب بعيداً، فكل نقمة أصبت بها، تعد ضجيجاً، غربة الأهل والوطن والحبيب والمرض والعمل والبشر، فذلك ضجيج لن يدوم طويلاً.
لكل ضجيج ومضاده محطات تستوقف عندها ذاتك، فلا تأخذ منها سوى ما يجلب لك الخير والسعادة عاجلاً أم آجلاً…
اخلق لنفسك ضجيجاً تفاخر به نفسك أمام نفسك، وتزرع أثراً في مكانك، حتى إذا غادرت مكانياً أو زمانياً ستجد ذلك الضجيج يحن إليك ويترحم.
فهب لنفسك ضجيجاً وارضَ به، وتوكل على الله وفي نفسك حديث يستجيب لحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له" (رواه مسلم).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.