(أنا صائم) .. أنـا إنسـان صائم هل تدركون مـا معنى كلمة (صائم)؟! هل تدركون الكم الهائل من المعاناة التي أعيشها لمدة ثلاثين يوما وأكثر من 14 ساعة يومياً دون راحة، دون فاصل، دون أدنى إدراك منكم؟!
ولذلك أريد منكم أن تتحملوا عصبيتي وتتكيفوا مع مزاجيتي، إن كنت طبيباً وعاملتكم معاملة عابرة وسطحية ورأيتم في وجهي ملامع امتعاض لكم، لا تركزوا كثيراً فأنا صائم حتى وإن جاءكم الفحص مغلوطاً، والتشخيص في أصله خطأ، فالتأنيب واللوم عليكم لأني صائم (أنا.. دكتور/ة صائم/ـة).
وإن كنتُ بائعاً في أي محل وأتيت لتتثاقل عليّ وتسألني بكم هذا وذاك، سأنظر إليك من الأعلى إلى الأسفل وكأن لا صائم في الأرض سواي ثم أجيبك بكل تأفف بسعر غير السعر كي أردعك وتختفي من أمامي كالعفريت.. فأنا صائم (أنا.. بائعٌ/ـة صائم/ـة).
اما إن كنتُ ربّ منزلكم وأتغاضى عن تصرفاتكم غير المقصودة بمزاجي فلا تتمادوا بالأمر؛ كي لا أقلب رمضانكم جحيماً، وأفطر عليكم فأجعل من نصفكم تمراً والنصف الآخر ماء فأنا صائم (أنا.. أب/أم صائم/ـة).
ولا تستغربوا إن كنت أقود سيارتي وصادفت سيارة أخرى أوهمني الصيام بأنها تعترضني فأنزل لأريها هلال رمضان في عمق أعماق شمس العصر فأنا صائم (أنا.. سائق صائم).
وحينما لا أقوم بشيء وليس عليّ الذهاب لأي مكان ولا أي عمل وأستيقظ من النوم مترنحاً أمد يدي أبحثُ عن هاتفي بجواري وأقوم بفتحه لأتصفح حائطي فأشرع بالانتقادات اللاذعة والتفلسف اللامنطقي وجرح هذا والتلكؤ على ذاك ومن يأخذ مني ولو موقفاً بسيطاً فهو إنسان سطحي ومفرط الحساسية فكيف يأخذ موقفاً من إنسان صائم؟؟.. لا لوم عليّ فأنا صائم (أنا..متصفح/ـة صائم/ـة).
للأسف الفعلي هذا ما صرنا نعيشه في شهر رمضان، شهر التراحم والتآلف، شهر المغفرة والمحبة، الشهر الذي يتمتع بالسكينة.. أصبح شهر رمضان مجرد حالات مزاجية منفرة تحت مظلة الصوم، الصوم الذي ذكره الحبيب المصطفى بأنهُ يهذب النفس ويقيها ويبعد عنها الكثير من الأشياء العصيبة التي صرنا نواجهها في شهر رمضان بتنا نتمنى لو أننا نقول للصائمين المتأففين الذين صاروا يمنون علينا بصومهم (يا أخي افطر وخلصنا).
شهر رمضان شهر تعزيز الرحمات فيما بيننا والحب، شهر تعاظم الحسنات ويكثر الأجر فيه.. فإن داهمك الغضب أو التأفف وتحركت نفسك الداعية للمشاكل اكبتها واستغفر، خذ نفساً وأغمض عينيك وتحاشَ ما حولك، وإن داهمك الجوع أو الحاجة للتدخين مثلاً اخلُ بنفسك ورتل القرآن ترتيلاً.. كن قدوة حسنة لغيرك من الأطفال ممن حولك كن بشرى بأن الصوم خير ليس معاناة ومشقة وتعباً، هذبهم بتصرفاتك أمامهم، عانقهم بالخير، علمهم كيف يستحوذون على الأجر ويصرون على زيادته والحفاظ عليه، حبب من حولك بالطاعة، وتلذذ أنت فيها.
(اللهم إني صائم) لم تكُن يوماً كلمة للبداية بشن أي اعتداء أو بداية عنف أو نشر الكره، (اللهم اني صائم) ليست مبرراً ولا عذراً لأي شخص يقترف أي شيء تحت طائلتها.
(اللهم إني صائم) وجدت لتهذيب النفس، والصوم وجد للنفس كي تتهذب.
هذا وأتمنى لكم ولي صوماً خالص القبول خالياً من أي ثغرات ونواقص.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.