انفجارات وحرائق وصراخ يملأ الأرجاء!! هذا هو مفهوم "الهزار" والمتعة عند بعض الساديين الذين يجدون متعتهم في إرهاب الناس وعرض ذلك على شاشات التلفزيون في شهر فضيل تبحث فيه الأنفس عن السكينة وراحة القلب، ولكن يأبى البعض إلا أن يملأ الكون بأجواء الرعب والصراخ في عالم يبحث ساكنيه أصلاً عن الأمان.
"رامز بيلعب بالنار" هو التطور الطبيعي لست سنوات من السادية التي جاءت وتيرتها متصاعدة حتى وصلت إلى ما رأيناه هذا العام من تفجيرات ونيران تتصاعد وسط صرخات من ظنوا أنهم على وشك الموت؛ ليتحول برنامج من المفترض أنه ترفيهي إلى مسخ مقيت ينشر العنف والإرهاب في المجتمع، دون أن يضيف قيمة أو يعالج ظاهرة نعيشها.
لا أفهم كيف وصل بنا الحال إلى أن ننفق مئات الآلاف على برنامج ينشر هذا الكم الهائل من التدني الإنساني.. وكيف لشخص أن يضحك أو يشعر بالتسلية والمتعة وهو يرى أمامه إنساناً يعيش لحظات الموت والرعب أو شخصاً يحترق أمامه؟!
هذا النوع من البرامج من شأنه أن يقتل في البشر مشاعر الرحمة والإحساس بالآخر.. أن يحول مشاعر الإنسان الطيبة التي تجعله يتعاطف مع كل بائس أو من هم في مصاب إلى شعور باللامبالاة، وقد يتطور الأمر إلى حالة مرضية فيصبح الأمر له لذة في النفس مثلما هي حالة رامز جلال الآن الذي قال في برومو برنامجه: "أد إيه شيء ممتع تشوف حد بيولع قصاد عينيك".
رامز.. لقد سئمنا سماع صراخ ضحاياك الذين يتكررون كل عام في مشاهد ومواقف مختلفة.. لقد تعبت قلوبنا من تخيلنا للحظات الرعب التي يعيشها من يقعون تحت يديك.. لقد انجرفت كثيراً في عالم السادية وحان الوقت لتعود قبل أن يحدث لأحد من ضحاياك ما لا تحمد عقباه.. حينها ستندم بعد فوات الأوان.
في المقابل.. فرق ما بين السماء والأرض بين ما يقدمه رامز جلال في برنامجه، وما شاهدته في برنامج "الصدمة" على قناة "إم بي سي" الذي في رأيي يعمل على إحياء إنسانية البشر، ويحرك ماء الرحمة الراكد في نفوس الناس ويذكرهم بالأخلاق والقيم التي أصبحت غائبة في حياتنا.
برنامج "الصدمة" برنامج اجتماعي.. هو كاميرا خفية إنسانية تعرض ردود فعل الناس ودفاعهم عن الفطرة السليمة والقيم الإنسانية الراقية.. يحكي البرنامج في مواقف تمثيلية مبدعة صوراً اجتماعية سلبية كعقوق الوالدين وسوء معاملة الخدم ويتم تصوير المواقف في عدة دول عربية لمعرفة ردود أفعال الناس عليها وكيف يتعاملون معها.
شتان ما بين رامز جلال في برنامجه الذي يلعب فيه بالنار، وبين برنامج "الصدمة" الذي يعرض الناس لصدمة في مشاعرهم تفجر بداخلهم مشاعر راقية مثل الرحمة وبر الوالدين ونصرة المظلوم وغيرها من الأخلاق الطيبة التي لو سادت في مجتمعاتنا لتغير حالنا عما نحن فيه.
فهذا رجل يقول: "أتمنى لو أشوف أبويا ولو لخمس دقائق ولو باقي من عمري خمس سنوات لقلت لهم خذوا الخمس سنوات وخلوني أشوف أبويا خمس دقائق"، وأخرى تقول: "كلنا خدام على هذه الأرض، ولكل منا دور هيعمله ويروح".
أعتقد أن رامز جلال بحاجة إلى "صدمة".. صدمة تجعله يفيق وينتبه إلى إنسانيته ليقدم محتوى هادفاً بدلاً من إنفاق مئات الآلاف على نشر العنف والرعب والخوف في نفوس الناس؛ لينشر الرحمة بدلاً من الصراخ، ودموع الرحمة والإنسانية بدلاً من دموع الخوف والرعب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.