لا تسلبوها حقها

الأنثى، ذاك المخلوق الذي زرعوا فينا أنه ضعيف لا حول له ولا قوة، هو أقوى مخلوق وُجد على هذا الكوكب، وهو الذي إذا احترمناه ومُنح حقه كاملاً سوف يتجلى لنا معنى الحياة بشكل آخر

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/13 الساعة 05:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/13 الساعة 05:23 بتوقيت غرينتش

ما زال التصارع بين الرجل والمرأة مستمراً إلى يومنا هذا، فالمرأة تنادي بأعلى صوتها في سبيل أخذ حقوقها، بينما يقف الرجل عائقاً دون ذلك منكراً عليها فعلها، حتى لا تأخذ مكانه في شتى نواحي الحياة. وبهذا نقرّ نحن الرجال أننا نأكل حقوق المرأة كما يأكل بعضنا لحم بعض.

لماذا هذا التنازع؟ ولماذا حق المرأة مهضوم في عالمنا العربي؟ أهو ديننا الحنيف الذي أمرنا بهذا؟ أم هي عاداتنا وتقاليدنا القديمة التي حرمت المرأة أكثر حقوقها؟ أم هي العروبة التي لطالما تنادينا بها، وسعينا إلى ترسيخها في عقول أبنائنا وبناتنا؟

لقد بيَّنت لنا الدنيا أننا نحن الرجال مغروس فينا حب الذات والتمرد على المرأة، فنظنها ضعيفة ليس لها حول ولا قوة، ولم ندرك بعد أن المرأة هي أقوى وأرشد منا جميعاً ولولاها لما بقينا على وجه هذه الارض.

لو تمعّنا في الأديان لوجدنا أن أصحابها ومن تقلدوا تعاليمها دون فهم، هم من أهانوا المرأة أيمّا إهانة، ووضعوا من قدرها حتى أصبحت مهمشة لا قيمة لها، فقد قَصَروا دورها على الخدمة في البيت ورعاية الأطفال، في حين أنهم خصوا أنفسهم بالكدح في الأرض وعمارتها، متجاهلين حقها في البناء في هذا الكون الكبير.

ولم أرَ أكثر من الإسلام ديناً رفع من شأن المراة وأعلى في مراتبها، وأكد على أخذ حقوقها دون أي نقصان، فكان لها من الحقوق ما لها، وعليها من الواجبات ما عليها، لتعمر الأرض يداً بيد مع الرجل من أجل تحقيق الغاية التي وُجدنا من أجلها ألا وهي عمارة الأرض. ولم يفرق الإسلام بين المرأة والرجل لا في العبادات ولا في المعاملات، فالأقرب عند الله هو الأتقى، رجلاً كان أم أنثى، أما في حياتنا الدنيا، فالأكثر علماً ودراية ورشداً هو الذي سيأخذ بزمام الأمور والقيادة نحو التقدم والازدهار.

ولطالما كانت العادات والتقاليد هي السبب الأول في تكسير أجنحة المرأة التي لم تعطها دورها الواجب عليها، بل وسلبتها كثيراً من حقوقها كاختيار الزوج، والسفر، والميراث والتعليم، وغيرها من الحقوق والتي ما زالت المرأة العربية تطالب بها حتى وإن صرنا في القرن الحادي والعشرين.

ومن أكثر المفاهيم التي غرستها فينا عاداتنا البالية، والتي ما زالت مسيطرة على عقول كثير من الرجال في البلاد العربية، أن الأنثى هي العيب بذاتها، فإن اقترفت خطأً او أصابت مصيبةً قيل عنها: "إنها امرأة"، فعندهم تعد الأنثى أقل مقاماً وأدنى درجة من الرجل، فإن صرخت بكامل صوتها مطالبة لحقوقها، أسكتوها بحجة أن صوتها "عورة"، وأنه ليس لها القدرة على التدبير وإدارة الأمور في الحياة، وهكذا تبدأ المرأة بالتنازل عن حقوقها شيئاً فشيئاً، حتى تصبح مهمشة، لا قيمة لها في مجتمعاتنا الإنسانية.

نعم هذه العقلية والتي ما زالت متملكةً لكثير من عقول الرجال، سوف تتحطم في نهاية الأمر، ولكنها تحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير حتى يتم القضاء عليها إلى الابد.
ناهيكم عن العروبة ومفهومها الذي ما زلنا نتغنى بها إلى يومنا هذا، كما في المسلسلات السورية والمصرية وغيرها، فمن كان شاربه أطول، كان أكثر مهابة ورجولة. فصوت الرجل يجب أن يظل أقوى من صوت المرأة حتى وإن كانت مطالبة لحقوقها، فنحن الرجال أذكى وأفضل وأعلم من المرأة، وبالتالي لا حاجة لنا فيها بشيء. وقد ذهلت وصعقت حين قال أحدهم لي: "ليس لنا حاجة من المرأة سوى المتعة والخدمة، فهذا أبي قد اشترى أمي حين دفع مهرها، وهي بهذا تكون ملكاً له يتصرف بها كيف يشاء". وهكذا ليس للمرأة إلا ما كتبه الرجال عليها، وتموت المرأة وقد مُحيت من هامش الحياة بلا رجوع.

نعم، العيب والخلل متأصل فينا نحن معشر الرجال، نحن الذين ظلمنا المرأة وسلبناها حقها، وقضينا على آمالها وتجاوزنا عن آلامها، ولا أنكر أن عدداً لا بأس به من العائلات قد بدأت باحترام المرأة وإعطائها حقوقها، ولكن يجب أن نعمل سوياً من أجل رفع صوت المرأة في أخذ حقوقها كاملة، والمشاركة في بناء مجتمعاتنا، فالمرأة ليست نقيضة للرجل ولا الرجولة نقيضة للأنثى، وإنما نحن شركاء في عمارة هذه الأرض، مَثَلُنا كمثل الألوان حين تتمازج مع بعضها البعض؛ لترسم لنا صورة فنية تجعل الإنسان يقف أمامها مذهولاً من جمالها وإتقانها، فكذلك المرأة تضيف ذلك العنصر السحري الذي يجعل الحياة أجمل وأبهى في كل صورها.

لقد قيل لنا سابقاً إن المرأة هي نصف المجتمع، ولما تمعنت في هذا القول، أدركت علم اليقين أن المرأة هي كل المجتمع بأصوله وفروعه. فالتي أنجبتك إلى هذه الحياة هي الأنثى، والتي سهرت عليك في صغرك حتى كَبُرْت هي الأنثى، والتي صاحبتك في هذا العالم هي الأنثى، والتي كانت سنداً لك في تجاوز المحن التي أحاطت بك هي الأنثى، ولن تجد أحداً يحزن عليك بعد مماتك أكثر من الأنثى، ولن تجد أكثر إخلاصاً وولاءً لأولادك أكثر من الأنثى.

الأنثى، ذاك المخلوق الذي زرعوا فينا أنه ضعيف لا حول له ولا قوة، هو أقوى مخلوق وُجد على هذا الكوكب، وهو الذي إذا احترمناه ومُنح حقه كاملاً سوف يتجلى لنا معنى الحياة بشكل آخر، وستزدهر الأرض عمارة أكثر فأكثر وسنعلم وقتها ما معنى كلمة الحياة، وكل الفضل يرجع لذاك المخلوق ألا وهو الأنثى.
فلا تسلبوا المرأة حقها وكونوا لها عوناً في تحقيق أحلامها وآمالها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد