ينصح علماء النفس والمختصون في التنمية البشرية بضرورة أن يعيش الإنسان اللحظة التي هو فيها، دون تفكير بسلبيات الماضي أو الخوف من المستقبل، وهو ما يعكر صفو الحياة ويحرم الإنسان من الاستمتاع بها، وهي حالة يشكو منها كثير من الناس دون تمكنهم من التخلص منها، ما أدى مع الوقت إلى ظهور أمراض نفسية عديدة كالاكتئاب وغيره.
وإذا ما تكلمنا عن شهر رمضان المبارك، فإن الحال ينطبق عليه، فالأصل أن يعيش المسلم لحظات رمضان ويستمتع بها بكل جوارحه، وبذلك يحصل المقصود من الصيام.
إن وجود رمضان كشهر خلال أشهر السنة هو بمثابة دورة روحية يحتاج المسلم فيها إلى ترتيب حياته وإعادة حساباته الإيمانية، وتنظيم منهجه الصحي الذي ربما يكون قد ساء خلال العام، فمدة ثلاثين يوماً كفيلة بتعديل وتهذيب سلوك النفس لتصحيح مسارها وترك العادات السيئة وإبدالها بالعادات الحميدة، إضافة إلى النظام الغذائي الذي يخصص أكلك في وقت معين، فضلاً عن تعويد النفس على الصبر وهو غاية الحكمة من الصيام.
لكن مع ذلك نجد أن سرّاق رمضان لا يتركون المسلم يستمتع بتلك اللحظات الرمضانية، محاولين سرقة أوقاته بشتى الوسائل، فالفضائيات تتنافس في شهر رمضان لعرض جديدها من المسلسلات والبرامج، كيف لا ولديها فرصة جذب أكبر؛ إذ تجتمع العائلة في البيت على مائدة الإفطار، ودائماً ما يكون التلفزيون أمامهم، وتتوالى الأجزاء المتعاقبة من المسلسل عاماً بعد عام، والتي أصبحت بلا معنى وتسلسل غير منطقي للأحداث، فالبطل الذي مات في الجزء السابق يعود للحياة في الجزء القادم، وتختفي وجوه اعتاد المشاهد عليها والاستعاضة عنها بوجوه أخرى، ما يفقد القصة حلاوتها التي ارتبطت أحداثها بتلك الوجوه، أما شركات الإعلان فتتفنن في عرض بضاعتها وهي تحاكي بطوناً خاوية تشتهي أي شيء تراه.
كل هذا يجعل المسلم بعيداً عن المعنى الحقيقي للصيام، فبعد أن يفطر وينهي صيامه، وقبلها كان قد تضرع إلى ربه ودعاه أن يتقبل منه صيامه، وأن يغفر ذنبه ويفرج همه، تأتي المسلسلات والبرامج لتخرجه من لذة الصيام، وربما تشغله عن أداء العبادات، وخاصة صلاة التراويح، والبعض يبحث عن إمام يخفف في صلاته؛ ليضمن عودته سريعاً إلى البيت لكي لا يفوته شيء من مسلسله المفضل.
ونحن نعيش عصر التكنولوجيا فيمكن أن نوظفها لصالحنا، فكثير من تلك المسلسلات والبرامج سيتم رفعها على مواقع الإنترنت، فإن كان ولا بد فيمكن مشاهدتها عن طريق تلك المواقع في الوقت الذي تحدده أنت حسب ما يناسب وقتك لا كما تحدده القناة.
إن ساعات رمضان تبلغ 720 ساعة، يذهب منها 660 ساعة في النوم والأكل والشرب والزيارات وغيرها، فلا يبقى سوى 60 ساعة، أي ما يعادل خمسة أيام، فلا يعقل أن تفرط في خمسة أيام، خاصة إذا ما استحضرت الأجر العظيم فيها من خلال آيات وأحاديث الصيام وفضله.
ومن الوسائل المفيدة أن تتفق مع أصحابك على وضع جدول لاستغلال وقتك وترتيب أعمالك في رمضان، وكذلك تحديد ما الذي يمكن أن تشاهده في رمضان من برامج، فإن كان ولا بد فالاقتصار على برنامج واحد على أن يكون هادفاً.
أذكر قبل أربع سنوات اتفقت مع بعض الأصدقاء على عمل جدول لنا في رمضان، وكان من ضمن الجدول تحديد ما نشاهده من برامج، واتفقنا على أن يكون مسلسلاً واحداً مع برنامج واحد فقط، وكان على ما أذكر مسلسل "الحسن والحسين" وبرنامج "خواطر"، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الجدول شيئاً رئيسياً في حياتنا، خاصة في رمضان، فاستطعنا أن نعيش لحظات رمضان كما ينبغي، ونستمتع بنفحاته، بما انعكس بالنفع على أنفسنا وحالنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.