دعاء بالستر وسترة نجاة

استجاب الله لأمي دعاءها بالستر، فوجدت من يدثر جثمانها حين وصلت إلى الشاطئ ريثما يصل أبي.. سأتذكر أن أسأله إن كان يحبنا حتى يسبقنا.. هذا إن لم يكن من لطف الله أن لا يأتي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/11 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/11 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش

قلت لها مئة مرة أنني لا أريد ان أركب الزورق. أنا أخاف من البحر،.. تقول أنني لا أحب أبي ولهذا لا أريد الذهاب معها، وأقول لها أنه هو من لا يحبنا لأنه ذهب بدوننا أولاً..

تُلبسني سترة نجاة برتقالية، فأتأكد من خطورة ما نُقدم عليه.. تثبّتها جيداً حتى لا تُفلتني في حال أفلتَت هي يدي.. نركب الزّورق سويّة.. يد أحدهم تغرز خاصرتي، وظهر آخر يقف سوراً أمامي.. ألتفت قليلاً في مساحتي التي لا تتعدى حضن أمي، المياه هادئة والأنفس أمامي صاخبة..

الليل يحلّ، والزّورق ينطلق.. الهواء البارد يلفح خدي فتضع أمي يدها علي تَطمئن أنني لم أتجمّد.. الأنفس صاخبة، كل واحد يهمس لزميله.. أو لأقرب جار.. هل سنصل؟ أستبزغ الشمس أم أننا سننتهي تحت جنح الظلام؟.. قالت لي يوماً معلمتي عندما صرخت بأنني انتهيت من حل المسألة أن أقول أنهيت بدلاً من انتهيت لأن في الأخيرة معنى الموت.. وها أنا، وهو، وهم نقصدها بحق ..

نهتزّ مع الزورق الذي يركب موجة ثم يهبط دون اتّباع نمط معين.. ننسجم مع الإيقاع غير المضبوط.. نعدّ الأنفاس.. نتقبل ضيق المكان الذي لن يكون أبلغ من ضيق النفس في هكذا موقف.. الناس يبتعدون عني.. الرجل أخيراً أزاح يده عن خاصرتي.. أصبحت أستطيع أن أرى لو كنت سأرى.. الأضواء التي تصل من المصابيح اليدوية تتحرك بغرابة.. الصورة غير واضحة.. الناس يتحركون بسرعة نحو الجانب الآخر من الزورق..

أنظر إلى أمي بسعادة إذ أفسحوا لنا المجال لنجلس براحة. أجدها تقبض علي كما لو كنت سأهرب.. الأصوات تعلو.. نحن نتحرك لا إرادياً.. يقولون لا يتحركْ أحد من مكانه.. نجاهد كي نتشبث بالزورق، أمي به وأنا بها.. لكن شيئا أقوى يشدّنا.. يسحبنا.. أمسك بها جيداً.. أسمعها تنادي الله أن يحمينا.. أن يسترنا.. نتزحلق، نرتطم بظهور من كانوا أمامنا.. لا قوة تستطيع إعادتنا إلا الوراء إلا قدرة الله..

أشم رائحة المياه.. الرطوبة تزداد.. الظهور تبرد.. أشعر بالبلل.. أمي تمسك بي جيداً وتدعو الله السِّتر.. السُّترة التي أرتدي ترفعني بتؤدة على وجه الماء.. الأيدي تمتد من كل جانب تحاول الإمساك بأي جسم يطفو.. أمي تدعو الله اللطف هذه المرة.. تقول لي أنها تحبني، ثم تفلتني كي لا يُغرقني تشبثها بالحياة.. تُفلت السُّترة فأصرخ..

***

بينما ضاعت الأصوات، بزغ الفجر.
استجاب الله لأمي دعاءها بالستر، فوجدت من يدثر جثمانها حين وصلت إلى الشاطئ ريثما يصل أبي.. سأتذكر أن أسأله إن كان يحبنا حتى يسبقنا.. هذا إن لم يكن من لطف الله أن لا يأتي.

* مستوحاة من وكالة شهاب الإخبارية إثر العثور على جثث مهاجرين من ليبيا إلى إيطاليا عبر البحر

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد