سيادة العقيد ناظر المدرسة

مؤخراً ظهرت في الأفق بوادر بالونة اختبار جديدة بعد تسريبات امتحانات الثانوية العامة بهذا الكم الهائل، التي لم تحدث من قبل منذ بدايات التعليم الثانوي قبل قرن من الزمن رغم التقدم الهائل في تكنولوجيا وأدوات التأمين.. وهو ما يدل على أن هناك تقصيراً متعمداً لإثارة أمر ما!

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/10 الساعة 01:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/10 الساعة 01:08 بتوقيت غرينتش


لماذا يريد الجيش السيطرة على العملية التعليمية في مصر؟

لا يوجد في مصر منذ عهد عبدالناصر شيء اسمه "إشاعة"، فعندما تخرج الإشاعات من الصحف أو التليفزيون الرسمي للدولة، ومؤخراً الفضائيات الحكومية والخاصة، بحكم أن النوعين يديرهما جهاز ما وشخص ما خفي على معظم الناس ومعلوم لدى البعض المتداخل بشكل ما في مجال الإعلام، فتسمع الإشاعة "بالون اختبار" وهذه هي الطريقة التي تتبعها الدولة منذ عقود طويلة في "جس نبض" الشارع تجاه أمر ما تنتوي الدولة فعله.. الجيش متداخل في شتى المجالات الاقتصادية والخدمية في مصر عدى مجالين فقط؛ الصحة والتعليم.

الجيش يسيطر على نحو 45% من الاقتصاد المصري

بعد رحيل "مبارك" وتولي المجلس العسكري زمام الأمور بقيادة المشير "حسين طنطاوي" البالغ من العمر 75 عاماً، فإن المجلس عمل بكل ما لديه من قوة على حماية تلك المصالح الاقتصادية المربحة، والتي جعلت من الجيش إمبراطورية تجارية وأحد أهم العوامل المؤثرة في اقتصاد البلاد، فالجيش المصري يمتلك المئات من الفنادق والمستشفيات ومصانع التعليب والنوادي والمخابز، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العاملين فيما لا يقل عن 26 مصنعاً تقوم بتصنيع السلع الاستهلاكية للمصريين، مثل الثلاجات والتليفزيونات والحواسيب، بالإضافة إلى تصنيع عربات القطار الجديدة للسكك الحديد، وأيضاً سيارات الإطفاء، كما يعمل على توفير محطات حرق النفايات ومياه الصرف الصحي إذا تطلب الأمر، وكل ذلك يصب في النهاية عند الجيش و"طنطاوي".

الجيش صار أشبه بالإمبراطورية التي تشغل مئات الآلاف من المدنيين وتجني مليارات الدولارات، فالجيش أصبح كالشركة التي لا تخوض حروباً في الخارج، ولكن تعمل على سد استهلاك المدنيين، كما أن وزير الدفاع أصبح يعمل كمدير لتلك الشركة، وبدلاً من التفكير في المسائل العسكرية أصبح وزير الدفاع مشغولاً طول الوقت بإدارة أعماله التجارية.. حتى المستثمرون الراغبون في الاستثمار في القطاع الخاص، سواء في الاستثمارات العقارية أو المنتجعات السياحية على طول البحر الأحمر مثلاً، عليهم تأجير مساحات الأراضي المطلوبة من وزير الدفاع.

تلك المصالح التجارية يمكن أن تكون الدافع وراء عدم قمع الجيش للثورة من اللحظة الأولى، فالثورة ومشاهد الدماء في البلاد هما أمر سيئ جداً بالنسبة لأي رجل أعمال، فالمؤسسة العسكرية بقيادة طنطاوي عملت على عدم وصول أي رئيس مدني حقيقي للسلطة حتى لا يتم الكشف عن تلك السجلات.

منذ أن أسقط الجيش المصري الملكية في 1952 وجميع رؤساء الجمهورية جاءوا من الجيش (نجيب – عبدالناصر – السادات – مبارك – السيسي) (مرسي) حالة استثنائية جاءت بالاتفاق مع المجلس العسكري حفاظاً على الإمبراطورية.. ويرجع الفضل في تضخم الإمبراطورية الاقتصادية للجيش المصري إلى الحدث التاريخي الذي شهده عام 1979 وهو اتفاقية كامب ديفيد التي منذ إبرامها بدأ الجيش في الاستثمار في كل شيء في البلاد، بدءاً من الزراعة إلى بناء الطرق والكباري والاستثمار العقاري والصناعات الإلكترونية، مروراً بمصانع اللبن والدجاج ومزارع تربية العجول والأبقار ومزارع الخضراوات والفاكهة ومصانع المعلبات والمزارع السمكية.

السياحة مصدر ثروة كبار الضباط

بالإضافة إلى كل تلك المشروعات المربحة اقتحم الجيش المصري مجال السياحة بقوة، وراح كبار قادة القوات المسلحة يتملكون ويديرون كبريات الفنادق والقرى السياحية في شرم الشيخ، وهي المشروعات التي بدأت منذ عهد المشير "عبدالحليم أبو غزالة" وزير دفاع مصر في أواخر عهد أنور السادات وبدايات عهد مبارك.. والذي بدأ مسيرة القوات المسلحة الاقتصادية، لكن "مبارك" لم يلبث أن عزل أبوغزالة في عام 1989 من منصب وزير الدفاع؛ لحرص مبارك على إقصاء كل منافسيه على السلطة، وخوفاً من شعبية أبوغزالة المتزايدة من جهة ولشيوع رائحة الفساد في إمبراطورية الجيش الاقتصادية التي يشرف عليها أبوغزالة.

وزير الدفاع الجديد "يوسف صبري أبوطالب" كان مختلفاً عن أبوغزالة، وكان يسعى لإبعاد الجيش عن أي مشروعات اقتصادية غير مرتبطة بالدفاع وتنافس القطاع الخاص، وأكد أبوطالب أنه سيحارب الفساد في المؤسسة العسكرية، لكن الرجل لم يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه؛ حيث تمت إقالته في 1991، ربما لنواياه تلك! كما تم تعيين "محمد حسين طنطاوي" بدلاً منه، وهو الرجل الذي رفض كل محاولات حل الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، بل على العكس من ذلك فقد قام الجيش في العشر سنوات الأخيرة بالسيطرة على العديد من الشركات الحكومية التي تمت خصخصتها أو تعاون مع مالكيها الجدد.

بعض الشركات التي يمتلكها الجيش على سبيل الأمثلة

الشركة العربية الأميركية للسيارات التي يديرها الجيش بالتعاون مع شركة "كرايسلر" الأميركية لصناعة السيارات فهذه الشركة لا تنتج المعدات والمركبات العسكرية فحسب، ولكن أيضاً سيارات الجيب شيروكي ورانجلر للاستخدام المدني.. الأمثلة عديدة لكن أغلب البيانات عن إمبراطورية الجيش العسكرية لا تزال سرّية لكنها ليست سرية على الاتحاد الفيدرالي العلمي الأميركي والذي أفاد بأن مصنع 54 الحربي على سبيل المثال، والذي يتم التمويه عن اسمه باستخدام اسم بديل هو "شركة المعادي للصناعات الهندسية" لم يعد ينتج بنادق قتالية أو مدافع رشاشة، بل بات ينتج "سكاكين مطبخ وشوك ومشارط ومقصات".

مصنع آخر هو مصنع 63 الحربي أو حلوان للصناعات غير الحديدية لم يعد لديه أي طلبات شراء خراطيش أسلحة، فاتجه المصنع إلى صناعة الكابلات وحنفيات بلاستيكية لري الحدائق وأكواب الشاي البلاستيكية.

أما مصنع رقم 100 أو "أبوزعبل" فلم يعد ينتج الديناميت وقذائف الدبابات فقط، بل أصبح ينتج الأسمدة ومستحضرات التجميل بينما لم يكتفِ مصنع رقم 360 أو شركة حلوان للأجهزة المعدنية بصناعة أغطية الألغام بل بدأ في تصنيع الثلاجات والتكييفات.
الجنرال سيد مشعل، وزير الدولة للإنتاج الحربي والرجل الثاني في الإمبراطورية الاقتصادية بعد وزير الدفاع، صرّح أثناء عرضه لميزانية عام 2010 والخاصة بنشاط عدد من المصانع الحربية بأن الوزارة قامت بتوريد 40 قطاراً و 220 وحدة تنقية مياه و50 وحدة معالجة صرف صحي، وقال مفتخراً إنه تم تطوير صناعة الثلاجات، وإن صناعة التليفزيونات قد تراجعت بسبب المنافسة القوية في السوق المحلية.

عشرات الآلاف من المدنيين يعملون ضمن المنظمة الاقتصادية العسكرية، وإن مؤسسة الجيش المصري التجارية تحصل على امتيازات لا ينافسها فيها أحد؛ حيث يعمل في شركات الجيش الكثير من المجندين الإلزاميين الذين يخدمون في تلك الشركات لشهور دون مقابل ويقّدر الاقتصادي الشهير عدد أولئك المجندين بقرابة الـ100 ألف مجند يمثلون قوى عاملة مجانية في إمبراطورية الجيش الاقتصادية، كما يتمتع اقتصاد العسكر في مصر بميزات احتكارية أخرى من أبرزها الإعفاء من الضرائب، والإعفاء من الحصول على التراخيص، والإعفاء من دفع الرسوم المستحقة، والإعفاء من أي مسألة قانونية علنية أو محاسبة مالية.

صعوبة تحديد الحجم الحقيقي لاقتصاد الجيش تكمن في أنه لا توجد بيانات حقيقية عما يخص المؤسسة العسكرية فليس فقط مصانع الأسمنت وشركات البناء والمصافي وشركات الحراسات الخاصة التي تخضع شكلياً لبعض اللواءات المتقاعدين وكبار الضباط، ولكن تمتد أذرع المؤسسة العسكرية داخل العديد من الوزارات المتداخلة مثل الاتصالات أو شركة مصر للطيران، بالإضافة إلى أن رئيس مجلس إدارة قناة السويس التي تبلغ أرباحها السنوية حوالي 5 مليارات دولار لا بد أن يكون عسكرياً، حوالي 21 من إجمالي 29 محافظاً كانوا في الأساس عسكريين أو من الشرطة أو المخابرات.. وتشير المؤشرات إلى أن الجيش يسيطر على 45% من الاقتصاد الموجه في مصر.

الجيش تسبب في غنى الكثيرين

بلا شك ساهمت إمبراطورية العسكر الاقتصادية في تحقيق ازدهار اجتماعي واقتصادي لكثير من المواطنين المصريين الذين كانوا فقراء وأصبحوا فجأة من الأثرياء، وهؤلاء كانوا على صلة قرابة ونسب بقيادات عسكرية، بل إن تلك الإمبراطورية حققت الرفاهية لرؤساء كعبدالناصر والسادات ومبارك والسيسي الذين جاءوا جميعاً من عائلات متوسطة الحال ثم صاروا من الأغنياء.


هل سيستطيع الجيش السيطرة على التعليم؟

مؤخراً ظهرت في الأفق بوادر بالونة اختبار جديدة بعد تسريبات امتحانات الثانوية العامة بهذا الكم الهائل، التي لم تحدث من قبل منذ بدايات التعليم الثانوي قبل قرن من الزمن رغم التقدم الهائل في تكنولوجيا وأدوات التأمين.. وهو ما يدل على أن هناك تقصيراً متعمداً لإثارة أمر ما!

بعض الصحف والإعلاميين بدأوا (نفخ) بالونة إسناد العملية التعليمية للجيش (عمود الخيمة – أصحاب العمل المتقن – الجهة الوحيدة التي تعمل بضمير في مصر) وهذا على حد زعمهم، وبدأ النفخ فى عبارة عن تساؤلات: هل يمكن للقوات المسلحة إدارة العملية التعليمية؟ وسيتم فتح برامج "التوك شو" بإجراء حلقات نقاش حول هذا الأمر لصناعة رأي عام كبير مؤيد لتلك الفكرة ومن ثم سيكون التنفيذ مطلباً شعبياً.. مثلما حدث في كل الأشياء البعيدة عن المنطق من قبل.. فما الجديد؟

الجديد أن رئيس الجمهورية في حواره التليفزيوني الأخير أشار من بعيد إلى أن هناك بشائر خطة تجهز لتطوير العملية التعليمية في مصر، لكن لا يوجد مدنيون أشاروا إلى هذا من قبل، كإعطاء بادرة أمل للناس، وهذا يجعلني أستشف أن تلك الخطة التي (على حد زعم الرئيس) سوف تتكلف عشرات المليارات لتنفيذها.. وبما أنه من الواضح وما يحدث في كل المشاريع الكبيرة والصغيرة أن الرئيس لا يأتمن أحداً على أموال وتنفيذ المشروعات سوى القوات المسلحة، يبدو أن هذه الخطة وآليات تنفيذها تجهز في وزارة الدفاع والإنتاج الحربي!

عنوان المقال مجرد تضخيم كوميدي أسود للأمر الفج، فلا أظن أنها ستصل إلى مرحلة الناظر بل ربما تتوقف عند السيطرة على مواقع القيادة التعليمية في مصر، بداية من الخطة البائسة ثم الأدوات اللوجيستية (التي سينفق من خلالها المليارات)، ونهاية بإعادة تربية الطلاب مرة أخرى كي يكونوا من نوع الشباب الوطني كما يراه قيادات الجيش.

تخيل معي الشكل العبثي عندما ترى الخبراء الاستراتيجيين المنتشرين في الفضائيات وهم يتحدثون عن تطوير التعليم في مصر؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد