"الحياة كلها كدر، طالما أن آخر الحياة موت، فإنها لن تصفو أبداً، فالموت يعكر ما قبله من الحياة"..
قال لنا الشيخ هذه الكلمات ذات يوم، قالها وبقيت أتأمل فيها، لدرجة أنني أظن أنني لم أستطع التركيز في حديثه الذي استمر فيه بعد هذه العبارة.. طالما أن في الحياة موتاً، فلا بد أن يكون فيها كدر!
فالموت يقطع ما كان قبله، ينهي الحياة سواء كانت حياة خير أو حياة شر، فتنقطع الأعمال، ويتفرق الأحبة، وينتهي هذا الفصل من قصة الحياة دون سابق إنذار..
يأتي الموت دائماً بغتة، فيقطع ما كان قبله..
كان سؤالي، هل نحن نعي حقيقة الموت فعلاً؟ هل تعاملنا مع الحياة منبعث من إيماننا وفهمنا أن هناك موتاً بعدها؟ ولماذا نخاف من الموت؟ كل هذه الأسئلة استحوذت علي، بقيت أفكر فيها أياماً وليالي، وناقشت فيها الكثيرين..
ما هي حقيقة الموت؟ هو انتقال من عالمنا المشهود إلى الآخرة التي لا نعرف، إلا ما سمعنا عنها في القرآن والسنة.. الموت مجرد مرحلة انتقالية، من دار الفناء إلى دار الخلود، من دار البلاء والامتحان إلى دار النعيم "إن شاء الله"..
فلماذا الخوف من الموت إذن؟
جميعنا يتحجج بأنه يخاف من الموت؛ لأنه ليس مستعداً، ولكن الحقيقة برأيي تفوق هذا، فهو وإن لم يكن مستعداً فعلاً -وسنعود لهذا الأمر بعد قليل- فإنه في الحقيقة كثيراً ما ينسى أن هناك حساباً أساساً..
ربما نخاف من الموت؛ لأننا تعودنا على حياتنا الدنيا، تعودنا على نمط حياتنا، على أصدقائنا وأحبابنا، على أموالنا وممتلكاتنا، تعودنا على هذه الأمور حتى أصبحنا نخشى فقدها، ولو كان الانتقال لدار أفضل، فعصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة، والقريب وإن كان قليلاً دائماً ما تكون قيمته أكبر بكثير من البعيد ولو كان ذا قيمة أكبر..
وربما لأننا نخاف مما سيحصل لأحبابنا بعدنا، نخاف من ألمهم لفراقنا، نخاف من أن نخلف وراءنا أطفالاً صغاراً ضعافاً، أو أماً ثكلى حزينة، أو زوجة أرملة..
وربما لأننا لا نريد فراق وترك من نحب، فنتخيل الموت وكأنه سيفصلنا عنهم أبداً، لا نريد أن نذهب ويبقوا هم، كما لا نريد أن يذهبوا ونبقى نحن، وهنا أفهم معنى عبارة "الموت مع الجماعة رحمة"، فالإنسان مستعد للذهاب لأي مكان شرط أن يبقى مع الجماعة، ولذلك ربما يشعر الشخص أنه إن مات فكأنه فارق جماعته وابتعد عنهم، وهذا أمر مخيف..
نريد البقاء في الدنيا أطول مدة؛ لأننا نهاب المجهول؛ لأننا نخاف من الغيب الذي لم يرجع منه أحد ليخبرنا بما رأى هناك رأي العين؛ لأننا ربما لم نؤمن بالآخرة حق الإيمان كما يريدنا الله سبحانه أن نؤمن.
فلو استطعنا إدراك أن الدنيا دار الفناء، والآخرة دار الخلود والبقاء، لربما قل خوفنا من الموت، ولربما تقبلنا فكرة الموت أكثر..
لنعد إذن إلى موضوع الحساب، لو سألنا أي شخص هل أنت مستعد للموت؟ سيكون جوابه "لا"؛ لأنه لم يستعد للموت بعد.. إنه يرتكب الكثير من المعاصي، يفرط في كثير من الطاعات، لم يرد حق هذا، ولم يعتذر من هذا، ولم يصالح هذا..
إنه ليس مستعداً لمقابلة ربه بهذه الذنوب التي تقصم ظهره، فلذلك هو يخاف من الموت ويتمنى تأجيله إلى أجل غير مسمى.
ولو قلت لأحدهم إنه لم يبق أمامه سوى يوم واحد قبل موته، فماذا سيفعل؟ سيقول إنه سيطلب رضا أمه ويكثر من الطاعات ويعتذر لمن آذاهم ويذكر الكثير من الطاعات التي هو مفرط فيها اليوم..
وسؤال هنا: هل يضمن أحدنا أنه سيعيش لليوم التالي؟ إذا لم يستطع الضمان، فهذا يعني أنه ربما يموت خلال هذا اليوم، فأين أعماله التي قال إنه سيفعلها؟
بل دعوني أتساءل سؤالاً آخر، لو افترضنا أننا سنعيش عشرين سنة أخرى، هل نضمن أننا سنصحح أحوالنا وتتحسن أعمالنا خلال هذه المدة؟
الجواب أيضاً: لا..
الحقيقة، هي أننا لو لم نحاول التغيير اليوم، فلن نضمن التغيير أبداً! وإن لم يكن الشخص منا مستعداً للموت اليوم، فلن يكون مستعداً له أبداً، إلا أن يطرأ عليه طارئ يغير مجرى حياته ويجعله يتوب إلى الله ويحسن.. وليس من المنطقي أن يعلق الإنسان مصيره بطارئ قد يطرأ عليه صدفة وقد لا يطرأ..
الفكرة التي أريد الوصول إليها هي أن الإنسان لو كان يخاف من الموت؛ لأنه ليس مستعداً له بسبب تفريطه أو إهماله، فإنه إن لم يصلح نفسه اليوم فلن يصلحها أبداً، فسواء مات اليوم أو بعد عمر طويل، فالنتيجة واحدة..
أما لو كان مستعداً اليوم، فأيضاً الموت اليوم أو بعد عمر طويل سواء.. فلماذا نخاف من الموت؟
سيقول شخص إننا لا نضمن أعمالنا ولا نعرف ما سيكون مصيرنا..
على الإنسان أن يسعى للوصول إلى الصراط المستقيم، بأن يحاول أن يكون كل يوم خيراً من الذي قبله، وأن يترك كل يوم معصية، ويؤدي كل يوم طاعة جديدة، أن يكون في صعود مستمر في هذه الحياة.. أو لنقُل إنه يجاهد نفسه لإصلاحها ويراقبها..
فإن كان هذا حاله، فهذا يعني أنه بإذن الله على صراط الله المستقيم، وإن كان كذلك، فلِمَ الخوف من الموت والله غفور رحيم ودود؟
لأجل هذا، علينا ألا تكون علاقتنا مع الموت علاقة خوف وخشية وهروب، بل علاقة مواجهة، واستعداد، وطمأنينة..
فالموت قادم لا محالة، خفنا منه أو لم نخف، ولكن الشيء الوحيد الذي قد يؤثر ويغير، هو استعدادنا لما بعد الموت، فليكن تركيزنا على الاستعداد لما بعد الموت، بدلاً من الخوف منه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.