يواجه المعارضون الذين تزودهم الولايات المتحدة بالأسلحة مأزقاً شديداً بمدينة حلب. ويأتي رد واشنطن: تصعيد القتال – بين الجيش الأميركي ومجموعات الاستخبارات.
تواجه قوات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة في أكبر المدن السورية اعتداءً روسياً وصف بالوحشي، ما يثير المخاوف بشأن إمكانية القضاء على المعارضة في غضون أسابيع، وفق تقرير نشرته صحيفة دايلي بيست الأميركية، الخميس 9 يونيو/حزيران 2016.
كيف تستجيب وزارة الدفاع الأميركية والمجتمع الاستخباراتي؟
من خلال التشاجر والمشاحنات فيما بينهما.
أخبر اثنان من مسؤولي وزارة الدفاع الصحيفة الأميركية، أنهما لا يرغبان في دعم المعارضة في مدينة حلب، نظراً لاعتبارهما مرتبطين بتنظيم القاعدة في سوريا أو جبهة النصرة.
وترفض الاستخبارات المركزية الأميركية، التي تدعم جماعات المعارضة، تلك المزاعم وتشير إلى أن تحالفات هذه المعارضة في وجه الاعتداءات الروسية المتصاعدة قد أدت إلى خلق تحالفات عسكرية، وليست عقائدية.
وذكر مسؤول أميركي يؤيد موقف الاستخبارات "من الغريب أن تحاكي وزارة الدفاع الدعاية الروسية"، مشيراً في هذا الصدد إلى مزاعم وزارة الدفاع بشأن توحيد صفوف المعارضة وجبهة النصرة.
وحتى في حالة استقلال المعارضة تماماً عن النصرة، يظل هناك صراع استراتيجي مع أهداف الجيش الأميركي.
ويشير مسؤولو البنتاغون إلى أن المعارضين في حلب يقاتلون نظام بشار الأسد، بينما تستهدف الجهود العسكرية الأميركية من ناحية أخرى القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وأوضح أحد مسؤولي وزارة الدفاع لدايلي بيست "ليس لدينا دور في حلب. القوى التي ندعمها تقاتل تنظيم داعش".
ويعتقد مجتمع الاستخبارات، الذي يدعم قوات المعارضة في حلب، أنه لا يمكن هزيمة داعش طالما يسيطر بشار الأسد على السلطة.
ويرون أن أحوال الجماعة الإرهابية تنتعش في الأقاليم غير المستقرة. ولا يستطيع التخفيف من حدة هذه المخاطر سوى القوات المحلية، مثل القوات التي تدعمها الاستخبارات المركزية الأميركية.
ونقل دايلي بيست عن مسؤول استخباراتي أميركي قوله "يتسم وضع المعارضة بالمرونة في وجه الهجمات الشرسة التي تشنها القوات السورية والروسية.
وتعد هزيمة الأسد شرطاً أساسيا للقضاء على داعش. فطالما هناك قائد مخفق في دمشق ودولة مخفقة في سوريا، سوف يظل تنظيم داعش يجد الإقليم الذي يستطيع العمل من خلاله".
وأضاف المسؤول الأميركي "لا يمكنك مواجهة داعش إذا كانت الدولة مخفقة".
وتعد المشاحنات بين أجهزة الدولة دليلاً على تصاعد حدة التوتر بشأن التوجه الأميركي لتسليح المعارضة، وهو ما يحدث بصورة غير متسقة في أنحاء سوريا.
قوات أميركية
وتتولى وزارة الدفاع حالياً مساعدة بعض المعارضين الذين يقاتلون تنظيم داعش شمال وشرق سوريا، حيث يتوجه أكثر من 250 خبيراً عسكرياً أميركياً برفقة القوات نحو عاصمة التنظيم في الرقة.
وتهاجم هذه المجموعة من المقاتلين مدينة منبج، التي كانت بمثابة ممر رئيسي لنقل مقاتلي تنظيم داعش وأسلحته ومؤنه من تركيا إلى سوريا.
وفي غضون ذلك، تدعم وكالة الاستخبارات المركزية بعض قوات المعارضة في حلب، أكبر مدن سوريا التي استهدفتها الضربات الجوية الروسية والسورية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
برنامجان مستقلان
وذكرت جنيفر كفاريلا، المحللة السورية بمعهد دراسة الحروب بواشنطن "للولايات المتحدة برنامجان مستقلان يدعم كل منهما الآخر ويتعارض في بعض الأحيان معه".
في الواقع، يمكن أن يتغير الدعم الأميركي لجماعة محددة من مكان لآخر داخل سوريا.
ويؤيد البنتاغون على سبيل المثال القوات الكردية الموالية للقوة المسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في شرق سوريا، وليس في شمال حلب. فقد هاجمت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي شمالي حلب القوات التي تدعمها الولايات المتحدة من خلال مساعدات روسية.
وأخبر دافيد جارتنشتاين، كبير زملاء مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن، دايلي بيست قائلاً "لسنا دولة تتصارع هيئاتها مع بعضها البعض. يجب أن يقرر البيت الأبيض توجهه بشأن الأسد وجماعات المعارضة. أعتقد أن لديهم سياسة محددة تجاه تنظيم داعش".
هل تسقط حلب؟
وتأتي الانقسامات داخل إدارة أوباما في مرحلة حرجة من الحرب في سوريا.
ويمكن أن تخضع حلب لحصار يدوم لشهور بين قوات المعارضة والقوات الحكومية الموالية لروسيا، بما يعرض المدنيين للمخاطر ويخلق فيضاً جديداً من اللاجئين. وذلك هو السيناريو الأفضل حالاً.
وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تخضع حلب لسيطرة الأسد خلال أسابيع، بما يضمن بقاءه في الحكم. ومع ذلك، لن يؤدي سقوط حلب إلى حسم نتيجة الحرب، بل يمكن أن يؤدي إلى تشجيع خصوم الأسد، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، على زيادة دعم المعارضة التي تقاتل في خطوط المواجهة.
وبغض النظر عن ذلك، استعرض الأسد حجم الثقة التي يتمتع بها حينما ألقى كلمة أمام البرلمان وذكر أنه سيخلص حلب من الإرهابيين وذهب إلى أن حلب سوف تصبح مقبرة للأتراك.
وذكر الأسد خلال كلمته أمام البرلمان التي بثها تليفزيون الدولة "حربنا ضد الإرهاب مستمرة. وكما حررنا تدمر ومن قبلها العديد من المناطق، سوف نحرر كل شبر من سوريا من أيدهم. خيارنا الوحيد هو النصر، وإلا فلن تبقى سوريا".
روسيا والنصرة
وذكرت روسيا أن الضربات تستهدف الجماعات الإرهابية فقط، مثل النصرة؛ ومع ذلك، يصعب للغاية أخذ تلك المزاعم على محمل الجدية. فقد أصابت الضربات الروسية العديد من المستشفيات والطرق التي تستخدمها المعارضة الأكثر اعتدالاً.
ولقي يوم الأربعاء 15 شخصاً على الأقل مصرعهم خلال ضربتين جويتين في حلب، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتولى متابعة ورصد حالات الوفيات بين المدنيين.
ويُذكر أن إحدى الضربتين قد أصابت مستشفى البيان وأودت بحياة 10 أشخاص على الأقل. وذكر المرصد أن القنابل التي أسقطتها الطائرات الحكومية أدت إلى مصرع خمسة أشخاص آخرين على الأقل، بما في ذلك طفلين في حي المرجه بمدينة حلب.
وقد تضاعف عدد الأماكن التي تعرضت للهجمات الروسية في مختلف أنحاء البلاد على مدار الأيام الخمسة الماضية لثلاثة أضعاف، من 10 إلى 30 منطقة، بحسب معهد دراسة الحروب، الذي يرصد الاعتداءات في أنحاء سوريا.
ويتمثل أحد الأساليب التي تستخدمها روسيا في إطلاق سلسلة من الهجمات على امتداد طريق كاستيلو، وهو الممر الرئيسي لتزويد المعارضة بالمؤن.
ومع ذلك، لا يوجد لدى إدارة أوباما أي دوافع لتوفير المزيد من السلاح إلى جماعات المعارضة أو زيادة الدعم؛ ويقر مسؤولو وزارة الدفاع والبيت الأبيض، أن صياغة استراتيجية تروق لجميع الأطراف صعب للغاية.
وذكر جارتنشتاين روس "ليس واضحاً ما إذا كان هناك مجموعة محددة من السياسات لمساعدة المعارضة حينما تفوق المزايا التكاليف.
ويرجع ذلك إلى المشكلة مع القاعدة، التي تمثل قوة كبرى تساند المعارضة. فكيف تعزز قوى المعارضة دون دعم تنظيم القاعدة؟"
لا يحظى التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة بأي سلطة تخول لها تعقب النظام السوري والقضاء على إرادة المعارضة.
وتسمح المهمة العسكرية الأميركية بتوجيه ضربات تستهدف تنظيم داعش فقط. ومن الناحية العملية، هناك تحديات أيضاً.
نحو التشدد
وتسعى الولايات المتحدة وروسيا حاليا إلى تجنب النزاع فيما بينهما لتجنب وقوع أي كوارث خلال الحملات الجوية. ويمنح ذلك روسيا القرار بشأن الأماكن التي يمكن للولايات المتحدة أن تشن بها حملاتها.
وربما أن ذلك هو السبب وراء عدم قيام التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة بشن أي ضربات في نطاق حلب منذ أسابيع، وفقاً لإحصائيات البنتاغون.
ومهما كانت النتائج في حلب، يرى النقاد أن الافتقار إلى توجه واضح بشأن المعارضة يقوض قدرة أميركا على المساعدة في تسوية النزاع والحرب الأهلية التي دامت لخمس سنوات.
وذكر كفاريلا "تتمثل النتيجة الأرجح على المدى القصير في توحد تلك الجماعات حول عناصر متشددة تعمل بفعالية".
-هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Daily Beast الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية٬ اضغط هنا.