العمل التطوعي بين الواجب والمكروه

العمل التطوعي ليس هو كل عمل أستطيع أن أقوم به دون مراعاة الحقوق والواجبات عني أو عن الآخر، فلربما كنت مذنباً أن قمت بعمل بنية التطوع، وكان على الآخر أن يعمله؛ لأنه يتقاضى من أجله الأجر

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/07 الساعة 04:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/07 الساعة 04:40 بتوقيت غرينتش

لا شك أن العمل التطوعي وفعل الخير من المحفزات الذاتية والمبادئ الإنسانية ككل، ولا يحتكره الدين فقط، أو حضارة شعب فقط أو عادات قوم، فالعمل التطوعي يتغير بتغير المنطقة، وتغير نوع العمل التطوعي في حد ذاته، فقد تتحكم فيه مكانة البلد أو ثقافة الشعب أو النزعة القومية أو النظرة السياسية هي الأخرى.

في مدينتي مثلاً أستطيع أن أقوم بعمل تطوعي بحكم إمكاناتي في مجال الإعلام الآلي عند محل ما أو مواطن ما، وفي ذات الوقت أعلم أنني سلبت زبوناً من صاحب المهنة الأصلي الذي ربما ينتظره بفارغ الصبر، أو ربما بفرط الجوع، كذلك مثلاً أن أرتب دفاتر مكتب البلدية، فلدي شهادة ربما في المكتبية، لكن في ذات الوقت أعلم أنني سلبت حق مواطن محتاج كان ينبغي أن يوظف على ذلك المنصب، وبعملي وفرت على البلدية طلب عامل مكتبية.

العمل التطوعي ليس هو كل عمل أستطيع أن أقوم به دون مراعاة الحقوق والواجبات عني أو عن الآخر، فلربما كنت مذنباً أن قمت بعمل بنية التطوع، وكان على الآخر أن يعمله؛ لأنه يتقاضى من أجله الأجر، هكذا وبهذه العملية صار الجزائري كسولاً في الإدارة خصوصاً، والعمل بشكل عام، هكذا بعدم توظيفنا للعمل التطوعي بشكله اللائق صنعنا جيلاً من العمال لا يتقنون العمل ولا يعملون أصلاً ربما، صنعنا شركات كبيرة خالية من العمال، ومؤسسات خاوية على عروشها.

أستحضر الآن دار الشباب بحينا، تتشكل من ثلاثة موظفين بشكل رسمي فقط لا غير، واحد منهم يأتي وهو المسيّر لدار الشباب، أما الآخرون المتطوعون فيتكفلون بالباقي.

أنا لا أتهم العمل التطوعي على أنه سبب تخلفنا، لكن توظيفنا له هو أحد الأسباب التي جعلت إداراتنا وأعمالنا تبعث على اليأس، في دائرة هناك جهاز خاص له ميزانيته وله عماله الخاصون به يسهرون على تنظيف الشوارع مثلا، لا تستطيع أن تمارس العمل التطوعي فيه؛ لأنك ترسل إلى هذا الجهاز الكبير القائم بذاته شعار "راقدة وتمونجي*"، بيد أنك لو قمت بعمل تطوعي بطريقة أخرى لكان أنجع، مثلاً حينما تجدهم يعملون تقول لهم: "ربي يعاونكم" أو "أعانكم الله لو تفضلتم بالشارع الثاني فهو أكثر اتساخاً"، كان هو الأنسب والأجدر والأصلح، وليس أن تعينهم، فيتكاسلوا، ويفسد النظام والمبادئ البشرية ومكانة الوظيفة بشكل مطلق، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "الدال على الخير كفاعله" (رواه مسلم)، الدعوة إلى شيء ما ربما قد نسوه هو العمل في حد ذاته.

في ذات الوقت لا ينبغي أن نهمل العمل التطوعي فهو عمل إنساني ومحفز ذاتي لكل شخص، لكن تبقى المكانة المناسبة له والنوع الذي يصلح فيه، بحيث لا ينبغي أن يفقد النظام عمله، ولا أن يهمل ما يحتاجه المجتمع بقدره لا يزيد على ذلك ولا ينقص.

"راقدة وتمونجي*": أي جالسة وتأكل

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد