"أصلها ست، هنقول إيه كفاية إنها ست" هكذا كان تعليق أحد معارفي على مقطع مصور قصير يوضح خطأ سيدة وهي تعبر الطريق، مما أدى إلى وقوعها أرضاً واصطدام سائق دراجة نارية بالرصيف وسقوطه من على دراجته، مكملاً حديثه عن (حماقة النساء اللامتناهية)، سواء كن يقدن سياراتهن أو يعبرن الطريق وأنهن سبب البلاء الأعظم، بدوري كان ردي واقعياً وبأن الحوادث التي يتسبب بها الرجال عادة ما تنتهي بما لا تحمد عقباه، وبخسائر مادية وبشرية تتنوع بين قتلى أو مصابين بإصابات خطيرة على أقل تقدير نتيجة العند والكبر فهم لا يخطئون أبداً كما يرون أنفسهم.
ثم طالعتني قصة كتبتها إحداهن عن صديقتها التي أحبت زوجها حباً جماً، وتحملت شظف العيش معه في البداية، وكيف أنها ألحت في إقناع عائلتها حتى رضوا به زوجاً لابنتهم، وكيف أنه حفظ لها ذلك فأحبها ودللها فأتى لها بالهدايا والورود وجعلها ملكة متوجة؛ لتكتشف الطامة بعد عدة سنين من الزواج أنه متزوج من امرأة أخرى، وأنها ليست سوى رقم في حياته يستطيع أن يجد له بديلاً، وأن ذلك الإخلاص والتفاني كانا مجرد غطاء يخفي بهما خيانته وسوء نفسه ببراعة منقطعة النظير، ثار الرجال مدافعين عن حق ذلك المنتمي لهم فيما فعله، وأنه قد أنفق الوقت والمال والجهد ليدللها ولم يحرمها من شيء قط كما ذكروا، لكنهم تناسوا عن جهل أو ربما عن عمد أن بنيان تلك الحياة المشتركة لم تكن يوماً قائمة على المادة، وأن أساسها هو (المودة والرحمة)، وأنه قد حطمهما للأبد، فأين هي الرحمة من أن تستيقظ زوجتك ذات يوم على نبأ أن هناك أنثى أخرى في حياتك قد حلت محلها أو تنازعها مكانتها في قلبك ونفسك، أين هي المودة عندما تعلم أن كل ما كنت تفعله يوماً لها قد فعلته لإحداهن عن طيب خاطر، وأن قلبك قد تحول لـ(مساكن شعبية) تؤوي غيرها بعد أن أصبحت أنت محور حياتها واهتمامها.
قص عليَّ والدي مستاء منذ فترة ما حدث عندما كان يعطي محاضرة دينية عن حقوق الزوجة في الإسلام، وكيف تململ كثير من الحاضرين حتى تغير لون أوجه بعضهم، وتطوع نفر منهم لمعاتبته بعد أن انتهى وهمّ بمغادرة المكان، وقال أحدهم "ما ينفعش الكلام ده يا دكتور زوجاتنا لو عرفوه هيتمردوا ويثوروا علينا"، وكأن حقوق الزوجات بذلك المنطق المريض حتى من المفهوم الشرعي والديني يجب أن تظل حبيسة الكتب والصدور، ولا يجب الإفصاح عنها قط فكيف بذلك (المارق) الذي قد يعمل بها ويسعى جاهداً لتحقيقها.
تطورت تلك النظرة المجتمعية البغيضة للمرأة ومعاملتها كالعبء الذي يجب التخلص منه، أو كالتابع الذي لا يملك من أمر حياته شيئاً؛ لتصل لمرحلة متدهورة تنذر بالكارثة، فينظر الكثيرون إلى أن ممارسة الفتاة أو النساء بشكل عام للأنشطة الخيرية أو حتى العمل الذي قد تكون في حاجة إليه، بأنه ترف، وليس من حقها ذلك، فهي يجب أن تقبع بالمنزل لتنتظر من ينتشلها من بين أربع جدران بمنزل والدها لتنتقل لأربع جدران أخرى؛ لتكون ماكينة لصنع الطعام والإنجاب والالتزام التام بتنفيذ قواعد الزوج في معاملة الأبناء دون استشارتها أو القيام بدورها المنوط بها القيام به تجاه أبنائها، فلا يجب أن تهتم بثقافة ولا معرفة، ولا يجب أن يكون لها طموح ولا فكر، هي مجرد عبدة إحسانهم، وتناسوا أبسط البديهيات والمنطق، وبأن تلك الفتاة هي إنسان له كيان وعقل وله حقوق، وربما لا تشاء لها الأقدار أن تتزوج، وربما يموت عنها زوجها، وربما أوقعها حظها العاثر بشخص ينتمي لأشباه الكائنات الحية فيحيل حياتها جحيماً لا تستطيع الخلاص منه سوى بالانفصال وربما أخرى تجعل من نظرتهم تلك محض أوهام وعبث.
كنت شاهدة على انفجار أحدهم هاتفاً بمن ارتضاها لتكون شريكة حياته، كما قال "إنتي عايزة كل حاجة، عايزاني وعايزة أفكارك وانتمائك السياسي وطموحك ومش عايزة تبقى زيي ولا عايزة تغيري نظرتك وتتنازلي علشاني" تاركاً إياها؛ لأنها كانت حمقاء بما يكفي لتظن أنها إنسان له عقل وكيان مستقل، ومن أبسط حقوقها أن تختلف معه، وألا تكون مجرد تابع يفكر ويتبنى وجهة نظر يتم إملاؤها عليه، وأن النقاش يسعهما معاً وقد لا يقتنع أحدهما بأفكار الآخر في موضع، لكن يظل هناك ذلك الود والاحترام والقناعة بأن الاختلاف رحمة، وأن الله لم يخلق البشر ليكونوا نسخاً عقلية بأشكال بشرية مختلفة.
حتى في لغة السباب التي أصبحت منتشرة بطريقة تدعو للفزع من انحدار تام في الأخلاقيات أصبحت المرأة تحتل المركز الأول وبجدارة، فالأم والأخت والزوجة هن ضيوف دائمون لدى استعمال أي سباب لإخراس الخصم وجعله ينسحب تاركاً عرضه وقد أصبح هشيماً تذروه الرياح.
قديما قالوا إن "المرأة نصف المجتمع"، وأضاف المحدثون "أنها من تربي وتنشأ النصف الآخر"، فهي أكثر من النصف، فكيف بمجتمع يتعامل معها بعقليته الجمعية المريضة تلك إلا من رحم الله وفي أوساط ضيقة ينظر لها على أنها خارجة عن المألوف وشاذة عن النسق الذي يرمي كل عيب ونقيصة به لامرأة أهدرت أقل حقوقها بأن تكون ذات كيان مستقل يتعامل معها الجميع باحترام لها، ولفكرها، وأنه ليس محض تشغيب وأضغاث أحلام يجب أن يتم وأدها.
أغفل أو تغافل المجتمع الذي يدين معظمه بالدين الإسلامي، أثناء تعامله مع المرأة بتلك العقلية الجمعية المشوهة، وصية الرسول عليه أفضل الصلاة السلام بحسن معاملة النساء وتوقيرهن دائماً، حتى قال ذات مرة: "أوصيكم بالنساء خيراً فما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم"، وكان صلى الله عليه وسلم يستشير زوجاته ويشركهن معه في شؤون الدين والدنيا على السواء، وكانت للمرأة منذ ظهور الإسلام شأن عظيم، حتى إن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وقف على المنبر ذات يوم، وقال: "أصابت امرأة وأخطأ عمر"، دون أن يشعر بأن في ذلك سبة أو انتقاصاً من مكانته كخليفة وولي أمر المسلمين.
ليست تلك الكلمات التي بين يديك عزيزي القارئ مجرد تنظير فارغ عن حقوق المرأة التي تقبع في مجتمع يحيا نصفه على الكفاف، ويتجرع مياه الصرف الصحي كل صباح ويأكل ربعه أو أكثر قليلاً من القمامة، ولا يحصل أغلبه على حقوقهم الآدمية في خضم أحداث مأساوية متلاحقة نحيا بها، أو إن شئنا الدقة نقتل بها كل ساعة على مدار 24 ساعة يومياً دون توقف، لكنها قراءة لواقع أليم نعيشه في مجتمعنا المصري لعلنا نجد لها علاجاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.