جيل الأجهزة الذكية

تلك اللعنة الذكية وأجهزتها باتت وبالاً علينا وعلى أبنائنا ما لم ننتشل أنفسنا من الغرق في إدمانها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/01 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/01 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش

"كان يا ما كان في قديم الزمانِ" كما تقولها الجدات، ويستهللن بها قصصنا وحكاياتنا الغابرة عن بطلٍ مغوار حرّر أرضاً لنا، أو عن عظيم فتح فتوحاً مبينةً فغدا للإسلام ذخراً وعلماً، وبات للتاريخ سطراً من سطوره يرويها الأجداد للأحفاد علّهم ينهلون من فيض مجده.

هذا ما (كان) أما ما (نكونه) اليوم فهو واقع مخزٍ بلا شك، أن تجد أطفالاً لا يعرفون موقع المسجد الأقصى ولا حتى اسمه! وأطفالاً صُنِعت على عين شاشات التلفاز وأعين المسلسلات فغدت ثقافتها تنحصر في أسماء الممثلين وما أنتجوا من مسلسلات.

أن نكون في زمنٍ تكالبت فيه النكبات علينا، فأضحى الإسلام غريباً وأضحى الفساد سلعة تباع هنا وهناك.

تتساءل ولمَ القلق؟

القلق على أمّة جيلها تربيه شاشات الهاتف، وشاشات التلفاز، جيل تحرّكه صورة فيسبوكية وتهزّ شجونه فيأبى إلا التفاعل معها بمنشورٍ ثوري غاضب، ونثر إعجابات هنا وهناك لدعم القضيّة.

كنا في زمنٍ غابر يُصرَخ في بقعة من بقاع أمتنا المترامية الشاسعة (وامعتصماه) فيردّ عليها أنْ لبيكِ، وتسير جحافلنا فاتحةً رافضة للذلّ، الذي تجرعناه اليوم كماء عذب حتى ارتوينا منه واكتفينا.

كان الجدّ يجمع أحفاده ليحدثهم أحاديث شتى تفيدهم في دنياهم وتبني في دواخلهم أشخاصاً أسوياء يعلمون أنّ الدنيا لا تحمل في سفينتها أولئك الفارغين.

أما جيل الـ"فيس بوك" كما يحلو لأمهاتنا تسميتنا، جيل باتت السطحية تقتله، ومنشورات تتجاوز السطرين ترهقه، فما بالك أن يقرأ كتاباً أو يحضر محاضرة تنفعه؟!

لم تقتصر ثقافته على السطحية؛ بل وعلاقاته الاجتماعية انحسرت وخفت بريقها بسبب وسائل التواصل الاجتماعي!

فقلما تجدّ عيناً لا تنظر في هاتفها فضلاً عن أن تجد كل حواسه فيه.. قتلت الأجهزة الذكية وقتنا، وشغفنا وطموحنا.

أزالت أوقاتاً جميلةً كانت تقضى مع العائلة تتحاور فيها بدلاً من حياة افتراضية فرضناها على أنفسنا، وحبسنا أنفسنا في غياهبها حتى استعمرتنا، وألقت بنا في بحرٍ من الغربة عن ذواتنا!

أصبح طفل الرابعة يرنو إلى جهاز محمول يحمله معه ويحافظ عليه أكثر من روحه.

وأصبحت طفلة الخامسة، تلك التي كانت لعبة (الباربي) أقصى طموحاتها أصبحت اليوم تنشئ صفحتها على الـ"فيس بوك" وتتغنى ببطولة والدها المغوار الذي سيشتري لها "آيفون" في نهاية العام!

ولّت حقبة الطفولة التي ترى من لعبة (بيت بيوت) قمة السعادة، ومن تقليد أحاديث الكبار وتصرفاتهم بهجة لا يُرى لها مثيل.

تسألني عن السعادة؟ أخبرك أنّ أجهزتنا الذكية سرقتنا منها ومن أنفسنا.

ما عاد لإنجازك من طعم ما لم تشارك به الآخرين، وأصبحت سعادة تلك التي خطبت منقوصة إن لم تحدّث حالاتها وصورها على كل البرامج علّها تحصد أكبر كم من الإعجابات فتنام قريرة العين هادئة البال، إلا من السعادة التي كانت تنشدها.

الحل يا صديق أن نعودَ أمّة منجزة، تقرأ لتقرأ وتفرح لتفرح وتخرج في رحلات لترفه عن نفسها لا بغرض مشاركتها.

أن نعود إلى حياتنا، يعني أن نكون واقعيين نعيش أجمل الأحاسيس مع عائلتنا وأصدقائنا ومن حولنا نبادلهم الأحاديث ويبادلوننا إياها عبر كلمات ملموسة محسوسة تخرج من الأعماق لتجتاح أعماقنا فنرجع أمة وسطاً في كلّ الأمور.

تلك اللعنة الذكية وأجهزتها باتت وبالاً علينا وعلى أبنائنا ما لم ننتشل أنفسنا من الغرق في إدمانها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد