(1)
قرأت فيما قرأت أن سيدنا نوح عندما أمره الله بصنع الفلك (السفينة) أنه زرع الأشجار وانتظر مدة مائة عام ثم قطعها ونشرها ألواحاً في مائة عام أخرى، ويقال أربعين، وكان يأمر أتباعه بصنع المسامير والحبال (الدسر)، كل هذه السنوات لم يمل نوح ولم يخاطب ربه بأن ربي كيف أصنع سفينة في صحراء جرداء؟ كيف تسير سفينة دون ماء؟ لم يفكر بأن القوم الذين يسخرون منه وهو على حق، فكيف لسفينة بينها وبين الماء مسافات بعيدة أن تبحر؟ لم يهتم نوح بكل هذا، كان يدعو قومه ليل نهار، وكان يعمل على بناء سفينته دون كلل، كان على يقين بأن الله ناصره، وأن وعد الله حق، وأن الله سيحمله "على ذات ألواح ودسر"، هكذا يكون يقين أولي العزم من الرجال، ولأن الله لا يضيع رجاله، ولأن الله يجزي المحسنين والصابرين من عباده، كان أمره إلى الأرض أن تنفجر منها الينابيع وإلى السماء أن ينهمر منها الماء؛ ليتوافر لسفينة نوح أسباب جريانها، وأن تكون هذه السفينة سبباً في إنقاذ البشرية من الطوفان العظيم، أذن الله لها فكان باسم الله مجراها ومرساها.
(2)
على جانب آخر من المكان والزمان كان الإذن قد صدر لسفينة أم موسى أن تبحر من مرفأ الغرفة المطلة على النهر في بيت السيد عمران، لم تحمل من كل زوجين اثنين بل حملت موسى بعد أن خافت عليه أمه فأرضعته ثم وضعته في التابوت؛ لتقذفه بعد ذلك في اليم مستجيبة لوحي جاءها أكثر من مرة بعد أن أصابها الخوف والهلع على وليدها من بطش فرعون وجنوده، فرعون الذي نادى في جنوده أن اقتلوا أي رضيع وأي مولود ذكر، عملاً بحلم رآه مرات عديدة مفاده أنه سيولد في هذه الأيام ذكراً سيسحق فرعون وستكون نهاية ملكه على يده، انتشر جنود فرعون ككلاب تنبش كل شيء بحثاً عن فريسة تسد بها جوع سيدها. اتخذ التابوت مساره الملاحي بمحاذاة الساحل، حتى أذن الله له بالمرسى أمام قصر فرعون؛ ليلتقطه أحد جنود فرعون، هم الرجل أن يقتل الرضيع لولا أن تدخلت زوجة فرعون التي طلبت من زوجها أن لا يقتل الرضيع لعلهما يتخذانه ولداً.
على الجانب الآخر من اليم كانت تقف أم موسى بفؤاد منفطر من الحزن وأنفاس تعلو وتهبط كموج البحر، أتلوم نفسها بأن استجابت للمنادي، وسلمت رضيعها إلى مياه النهر فكيف لرضيع أن ينجو من الغرق، وإن نجا فكيف سينجو من جنود فرعون، لكن لا، لن تلوم نفسها فهناك نقطة بعيدة داخل الفؤاد تنبعث منها شعاع نور يريها أن الله سينجي رضيعها، شعاع مصدره اليقين بالله، نحت أم موسى إعمال العقل وتركت التدبير للعلي القدير.
في قصر فرعون كانت تدابير الله تدفع كل من في القصر إلى أن يرد موسى إلى أمه دون أن يشعر أحد، فالجلبة التي أحدثها الرضيع في القصر جعلت الخوف يسيطر على السيدة آسيا بنت مزاحم التي خافت على الرضيع أن يقتله فرعون لما يصدره من ضجيج بعد أن علا بكاؤه، فماذا تفعل وقد حرم الله عليه المراضع، هنا جاء صوت أخت موسى بأن أنا أدلكم على أهل بيت يرضعونه، أسرعت أخت موسى لتحضر أمها التي تلقت الخبر بفرحة عارمة، شاكرة الله بأن رد لها رضيعها كي تقر عينها ويكبر أمام عينها.
(3)
ذهب يونس إلى قومه مغاضباً، أيس منهم، ظل بين ظهرانيهم عقوداً يدعوهم فيها إلى الله ولما أصروا على الكفر، خرج ذو النون من بين أيديهم دون إذن من الله بعد أن وعدهم بعذاب الله وسخطه، ترك مدينة نينوى بالعراق متوجهاً إلى شاطئ البحر، وجد سفينة على وشك الإبحار، استأذن أهلها في الركوب، فأذنوا له، بعد أن أبحرت السفينة هاج البحر واشتدت الرياح، فقالوا إن فينا صاحب ذنب ويجب أن نلقيه في البحر كي يهدأ، اقترعوا ثلاث مرات في كل مرة كان السهم يشير إلى يونس، تذكر يونس ذنبه بأنه خرج من نينوى دون إذن من الله، ألقى ذو النون بنفسه في البحر وجل يقينه أن الله منجيه، بعث الله إليه سفينة نجاة كسفينة نوح لكن في هذه المرة كانت على هيئة حوت التقمه وصار له وعاء حافظاً له دون أن يمس لحمه وعظامه، أبحر يونس في ظلمات ثلاث؛ ظلمة الليل والبحر وظلمة بطن الحوت، سمع يونس تسبيح الكائنات من حوله فتذكر ذنبه (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فاستجاب له الله وأمر الحوت أن يقذفه إلى الشاطئ لينبت له الله شجرة من يقطين (القرع)؛ ليستظل بأوراقها ويأكل من ثمرها حتى استعاد قوته ورجع إلى قومه فوجد أن الله قد أنزل فيهم العذاب ثم صاروا بعد ذلك جميعاً مؤمنين بما جاء به يونس منتظرين رجوعه ليعلمهم الدين.
(4)
من كان زاد سفره هو اليقين بالله، كان المجرى والمرسى لسفينته حتماً باسم الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.