كان واضحاً على وجهه الحزن، فسألته: ماذا بك؟
فأجاب: "محبط".
فسألته: لِمَ الإحباط؟
فقال: "حزين على ما ضيعت من عمري في السنين الماضية. عشر سنين من عمري ضاعت في مجال الهندسة… يا ليتني استثمرت هذا الوقت في المجال الذي كنت حقاً أريد."
الإحباط هو عكس الأمل، ومَن لا أمل له، لا حياة له.
نعم، من حق الإنسان أن يهتم بقيمه الوقت، عفواً ليس من حق، بل فرض على الإنسان أن يهتم بقيمة الوقت الذي أعطاه الله إياه، ولكن لِمَ الحزن على ماضٍ في الغالب نتعلم منه؟ يجب أن لا يحزن المؤمن على ما فات، وأن يفرح بما هو آتٍ، خصوصاً أنه لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين… " نتعلم من الماضي، ولا نبكي عليه، ونسأل الله أن يوفقنا في المستقبل.
من فضل الله علي أنني قرأت، وسمعت ورأيت عن أناس في أواخر عمرهم وما زالت تنبض الحياة فيهم أكثر من شباب لم تتخطَّ أعمارهم الثلاثين، من أكثر المشاهد التي لن أنسى رؤيتها هي السيدة العجوز الذي يظن أي إنسان أنها قد شارفت على الموت، ولكنها كانت أمام عيني تركض أمام المسجد الذي صليت فيه صلاه العيد، وأنا في نيويورك، نعم، في السادسة صباحاً، إذ كانت خطوات أي شاب أسرع من ركضها، ولكنها لا تبالي.
متى تموت تلك العجوز؟ عندما يبث الله فيها الإحباط والعجز والكسل! يقول عالم النفس فيكتور فرانكل: إنه بعد معاناته في المعسكرات النازية ازدادت قناعته بمقوله الفيلسوف الألماني نيتشة (Nietzsche): "من كان لديه سبب قوي يعيش من أجله يستطيع تحمل أي ظروف في تلك الحياة"؛ لأنه كان يرى الكثير من المساجين يموتون، ليس بسبب قلة الأكل، أو بسبب حالة فيسيولوجية، بل بسبب الأمراض النفسية، ومنها فقدان الأمل أو سبب أن يعيشوا في تلك الدنيا.
للأسف ثقافتنا مليئة بالإحباط، خصوصاً أنه بعد أن نتخطى سناً معينة يظن الإنسان فينا أنه أصبح إنساناً منتهي الصلاحية! وكأن أهم شيء هو "مدة الوقت" وليس "قيمة الوقت" الذي نستعمله، تنظر إلى الرسول وهو يقول: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، وكأنه يقول لنا: اعملوا فإن الله سيرى أعمالكم إلى آخر ثانية، ثم انظر إلى من هم في بلادنا وهم يقولون لأولادهم:" أنا كبرت وتركت لكم كل شيء"، وكأننا نعمل فقط من أجل أن نورث من هم بعدنا المال؟ هل هذه نية كافية، صالحة؟
المشكلة ليست في أن نقول: "تركت لكم كل شيء"، ولكن أن نقول: "كبرنا" التي في الكثير من الأحيان تجعلنا نقول: "فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً…. فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ"! وهي في حد ذاتها إشارة إلى الندم؟ تلك المقولة تسلب لحظة الآن وتجعلنا نتحسر على الماضي وكأن المستقبل قد مات.
من أكثر قصص النجاح التي أحب هي قصة مؤسس شركة "Inditex" التي تعتبر من أكبر الشركات العالمية، مؤسس هذه الشركة يمتلك أكثر من ٤٠٠٠ محل في أكثر من ٩٠ دوله، متى بدأ هذه الشركة؟ كان يبلغ من العمر واحداً وأربعين عاماً، أما مؤسس شركة Walmart وهي من أكبر شركات التجزئة في العالم وعائلته من أغنى العائلات في العالم، وقد بدأ شركته فوق الأربعين عاماً، ماذا يحدث لمن يعيش في بلادنا بعد سن الأربعين أو الخمسين؟
حتى الإمام النووي الذي توفي عند سن الخامسة والأربعين (هناك أقوال أخرى)، يقول الكثير من العلماء إن الله بارك في وقته وما أنتج من كتب لا ينتجه إلا من عاش إلى الستين، لا أظن أن الإمام النووي كان يتحسر على الماضي؟ بلا شك كان يتطلع إلى المستقبل، وهناك من بدأوا طلب العلم وهم فوق الخمسين وأصبحوا شيوخاً للأزهر عندما كان الأزهر "أزهر".
لا تحزن على ما فات وافرح بما هو آتٍ إن شاء الله.
إن كنا محبطين بسبب الماضي، فنحن لا ولن نعيش في لحظة الآن" ولن نعيش في المستقبل.
إن شاء الله كلنا نكون شباباً إلى آخر لحظة في عمرنا ونغرس في هذه الأرض إلى آخر ثانية.
صدقاً، بدون أمل… نحن كالعدم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.