ربما يستيقظ العالم يوم الاثنين المقبل على أخبار قد تكون الأولى من نوعها منذ هزيمة النازية، وهي أن بلداً أوروبياً انتخب، وبشكل ديمقراطي، رئيس دولة يمينياً متطرفاً. تمكن نوربرت هوفر من حزب الحرية اليميني النمساوي من الفوز بـ35% من أصوات الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 24 أبريل/نيسان الماضي، بينما يدخل سباق الجولة الثانية الأحد المقبل في ظل استبعاد حزبين منافسين رئيسيين من السباق، بالإضافة إلى استقالة المستشار الديمقراطي الإشتراكي فيرنر فايمان من منصب رئاسة الحكومة.
بعد ذلك بشهر واحد، ربما يستيقظ الأوروبيون على أخبار تفيد باختيار الناخبين البريطانيين في استفتاء 23 يونيو/حزيران القادم لانفصال دولتهم عن الاتحاد الأوروبي كأول دولة أوروبية تتخذ هذا القرار، وهو ما يخشى الكثير من المحللين أن يكون بمثابة ضربة قاضية للمشروع الأوروبي نفسه، وفق ماجاء في نيويورك تايمز.
وفي 24 أبريل/نيسان من عام 2017، بعد مرور عام واحد من فوز هوفر بالجولة الأولى، ربما يختار الفرنسيون ماريان لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني، لمنصب الرئاسة في فرنسا، وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي التي أجريت حتى الآن.
في غضون ذلك، يبدو أيضاً أن دونالد ترامب أصبح قريباً من الانتقال إلى البيت الأبيض أكثر من أي وقت مضى.
هذه ليست جزءاً من سيناريوهات جورج أورويل. إن علامات تحدي العودة إلى تلك الديمقراطية القديمة أصبحت عديدة لدرجة أن فوز هوفر بالجولة الأولى بالكاد ذُكر في الصحف الأوروبية. هل تتذكرون انتخاب الرئيس النمساوي كورت فالدهايم في الثمانينيات، أو التصرفات الغريبة لرئيس حزب الحرية في التسعينيات يورغ هايدر، كانت أمراً مزعجاً بشدة؟ كان هذا في نهاية القرن الماضي. واليوم، لم يعد السياسيون النمساويون غريبو الأطوار بمعزل عنا، كما أصبحوا جزءاً من صعود ذلك الاتجاه في أوروبا.
لا تقتصر هذه الحالة على أوروبا فقط، بل تمتد عبر الأطلسي، مع الاتجاه نحو سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
انضمت الحركات الشعبية اليمينية المتطرفة إلى تحالفات حكومية في كل من فنلندا والنرويج، كما أنها تؤثر في الأجندة السياسية في الدنمارك وهولندا بشكل مباشر. في ألمانيا، التي بدت وكأنها في مأمن من هذا المرض المستشري، استطاع حزب البديل من أجل ألمانيا، المعادي للمهاجرين، تحقيق نسب تتراوح من 12 إلى 24% من الأصوات في انتخابات الولايات. وفي كرواتيا، يسعى وزير الثقافة لإعادة إنتاج الأفكار الفاشية لحركة أوتاشي.
رأى البعض أن هذه التطورات وعلى الرغم من كونها سلبية إلا أنها تظل هامشية، وأن الوسط مازال مسيطراً، قبل أن تقوم هذه الموجة اليمينية باجتياح وسط أوروبا في البداية متخذة نموذج رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان كمثال لها. تحكم الأحزاب الشعبوية المشككة في الاتحاد الأوروبي والمعادية للمهاجرين بشكل مباشر في بولندا وسلوفاكيا حالياً. وستضيف انتخابات الرئاسة النمساوية بعداً جديداً، وامتداداً جديداً للظاهرة إلى خارج المنطقة الشيوعية سابقاً، والتي يمكن تفسير هذه الاتجاهات فيها بأنها مرحلة انتقالية بالنسبة لديمقراطيات ناشئة، إلا أن الوضع يختلف في النمسا التي لا تعد مثل تلك الدول.
من الصعب للغاية تفسير صعود اليمين المتطرف بمختلف مظاهره. ربما تكون الهجرة عاملاً مهماً، إلا أن اشتعال تلك الأزمة جاء قبل انفجار أزمة اللاجئين. كانت أزمة اليورو عاملاً أيضاً، وخاصة مع ارتفاع معدلات البطالة في فرنسا والنمسا، إلا أن الأمر مختلف في بريطانيا على سبيل المثال. الفوضى في الدول العربية بعد الفشل الذريع للغزو الأمريكي للعراق والذي أشعل المزيد من الحروب في الشرق الأوسط والهجمات الإرهابية في أوروبا، هو ما زاد الشعور لدى الأوروبيين بعدم الأمان. العولمة، وفقدان الكثير من وظائف الطبقة المتوسطة، بالإضافة إلى زيادة عدم المساواة وزيادة المخاوف حول النموذج الاجتماعي الأوروبي سبب إحباطات كبرى. أصبح الغضب تجاه النخب الحاكمة ومؤسسات الحكومة حالةً شائعةً للغاية.
هل يبدو الأمر مألوفاً؟ نعم، إنها أزمة عالمية. يمكنك رؤية ركوب موجة هذا الغضب في كل مكان، فتصريحات ترامب وبوريس جونسون ومارين لوبان ربما لم تكن واردة إطلاقاً قبل 10 سنوات. بقبول الإهانات اللفظية اليومية التي توجه للمهاجرين، مثل أنهم "يجلبون الأمراض"، أصبح الاتحاد الأوروبي "مثل هتلر؛ يرغب في فرض سلطة واحدة في أوروبا" (الإسلام ليس جزءاً من أوروبا، ولا يجب أن يسمح للمسلمين بدخول الولايات المتحدة)، الأصوات تطالب بعودة التعذيب، بقبولنا لكل هذه الأحكام العامة، فإننا نضفي الشرعية على تلك الأفكار التي ستترجم يوماً ما إلى قرارات سياسية.
مثل معظم القادة الأوروبيين من اليمين الوسط أو اليسار الوسط، يتفهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما هذا الأمر تماماً. وبعد يوم واحد من نهاية الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة النمساوية، حذر في خطاب له في هانوفر (ألمانيا) من "الزحف المتواصل لهذه الاتجاهات السياسية التي قام المشروع الأوروبي بالأساس لرفضها، كما حذر من سياسة التفريق وتقسيم الناس إلى نحن ضد هم والتي تحاول إلقاء اللوم على الآخرين فيما يتعلق بالمشكلات التي نواجهها. إن تقدمنا حتمي.
وبينما تنشق الكثير من القوى عن النظام الليبرالي، ما ينقص واشنطن حالياً هو الاعتراف بأن هذا الاتجاه عالمي وذو بعد تاريخي أيضاً، ولا يتوقف عند أوروبا فقط. فالأعراض المصاحبة لصعود ترامب في الولايات المتحدة هي ذاتها الأعراض المصاحبة للزحف الذي تحدث عنه أوباما للاتجاهات اليمينية. موخراً، حثَّ فرانسيس القادةَ الأوروبيين لتحديث فكرة "أوروبا" من الأساس، إلا أن فكرة الغرب بشكل كامل تحتاج لتحديث، وليس أوروبا فقط.
في أغسطس/آب عام 1941، وبينما كانت أوروبا مستغرقة في الحرب، التقى فرانكلين روزفلت ووينستون تشرشل على متن الطراد الأمريكي أوغستا وقاما بصياغة ميثاق الأطلسي. كان البيان ينص على ثمانية مبادئ مشتركة اتفق عليها الزعيمان تدور حول "آمالهم في مستقبل أفضل لهذا العالم". وعلى مدار عقود، كانت هذه المبادئ، والتي من بينها التحرر من الخوف والحاجة، وتحسين معايير العمل، والتقدم الاقتصادي والأمن الاجتماعي، بمثابة مصدر إلهام للعالم الحر. كانت هذه الأهداف شجاعة وتقدمية للغاية، إلا أنها تحتاج للمزيد من التحديث حالياً.
يحمل الرئيس أوباما هذا الإرث حالياً، فزياراته إلى كوبا وهيروشيما مناسبة ودقيقة للغاية، إلا أن هناك مهمة أخرى يجب أن يشرع فيها مع الأوروبيين، وإلا ربما يصبح تاريخياً كآخر رئيس أمريكي يتزعم النظام الديمقراطي الغربي.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.