أمضى أهالي مدينة عدن اليمنية الواقعة على ساحل البحر العربي، الاثنين 16 مايو/أيار 2016، يومهم الأول دون قات عقب منع السلطات العسكرية دخول النبتة إلى أسواق المدينة، اعتباراً من يوم أمس.
وخيّم السكون على أسواق القات عند الظهيرة، رغم احتشاد عدد من العدنيين، في انتظار قدوم بائعي النبتة المنبهة من محافظة الضالع وتعز (شمال المدينة)، في الوقت الذي توزع جنود على عربات عسكرية في أماكن البيع، محذرين المدنيين من مخالفة القانون.
لكن كيف استقبل اهالي المدينة خبر المنع ؟
دهشة وترقب
مع قرب ساعات الظهيرة، توافد العشرات من العدنيين إلى أسواق القات، عقب 3 أيام من إعلان القرار، أملاً بأن يُسمح بدخول الموردين إلى الأسواق، لكن بمرور الدقائق، كانت الأسواق تعج بالمدمنين على تناول النبتة المنبهة، وتم – فعلياً – منع دخول التجار والعربات من منافذ المدينة.
ورغم ارتباط القات بالحياة اليومية بشكل مؤثر، فإن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها منع تناول القات في مدينة مركزية، يتوافد إليها اليمنيون من مختلف الثقافات الشعبية.
ووجد مدمنو النبتة – التي تُصنف ضمن المواد المخدرة – أنفسهم في حال، لا يُحسد عليها، فالعديد منهم يعتقد بأن القات له سلطة على الحالة النفسية، ويحفز النشاط والتفكير والعمل، وغيابه يهدد المزاج العام للكثير منهم.
نزوح جماعي إلى منطقة الفيوش
ورغم عدم تصديق العدنيين لسلطة الأمر الواقع، لم يتمكن العشرات من تقبل الوضع الجديد، ما أجبرهم على الخروج من المدينة، إلى منطقة الفيوش في محافظة لحج، وبحسب شهود عيان فإن الازدحام المروري كان خانقاً في الطريق العام؛ بسبب تقاطر المئات إلى السوق، ما أدى لإغلاق الطريق لساعات بسبب الازدحام في المدخل الشمالي للمدينة.
في الطريق إلى الفيوش، عادت ذكريات الأحداث بالعدنيين إلى الحرب التي دارت في المدينة بين قوات المقاومة الشعبية من جهة والمسلحين الحوثيين وقوات صالح من جهة أخرى، العام الماضي، وخلالها منع الحوثيون دخول القات، ما أجبر العديد من سكان المدينة على الخروج لمنطقة الفيوش، رغم تعرضهم – حينذاك – للاعتقال.
فارس سنان أحد أبناء المدينة، قال لـ"عربي بوست": "من أجل القات سنذهب للفيوش وأبعد من ذلك".
تهريب القات للمدينة
بعض رزم القات كانت تُباع بشكل سري في عدد قليل من الأسواق، بعد أن تمكّن مهربوه من إدخاله للمدينة، رغم رداءته وتدني جودته.
في شارع خليفة بمنطقة المنصورة الذي كان يعج ببائعي القات، بدا الشارع خالياً من المارة، إلا من سيارة نوع بيجو، وكان على متنها أحد بائعي القات، ويتعامل مع عملائه بسرية تامة، كما لو أنه كان يبيع ممنوعات، بسبب الخوف من عناصر الحملة العسكرية.
وارتفعت أسعار القات بشكل مبالغ، ورغم الأزمة الاقتصادية التي تضرب المدينة، إلا أن المدنيين حاولوا اقتناء النبتة، بالأسعار التي فرضها مهربوها.
نشاطات جديدة
مع ساعات المساء، حاول المدنيون التجول في المدينة، والتنزه على شواطئ المدينة الآسرة، واتجهوا إلى محال الوجبات السريعة والمقاهي، من أجل استهلاك الوقت الذي بدا على البعض طويلاً ورتيباً.
ورغم اللامبالاة التي ارتبطت باليمنيين، إلا أن الكثيرين في مدينة عدن امتثلوا للقانون، في الوقت الذي حرصت النقاط العسكرية على التفتيش الدقيق من أجل المنع التام لدخول القات.
غضب
ورغم المبررات التي ساقتها السلطات الأمنية، إلا أن نسبة من العدنيين رفضوا ذلك القرار، وصبّ العديد من الناس المحتجين سخطهم وغضبهم على سلطات المدينة، ومحافظ المحافظة عيدروس الزبيدي ومدير الأمن شلال شائع، إضافة إلى دولة الإمارات ورجلها في المدينة هاني بن بريك، كما يصفونه.
وقال أيمن الحداد مخاطباً السلطات: "معاكم حل من اثنين يا تفتحوا مصنع صيرة (مصنع للكحول)، يا تشوفوا لنا وزير الإعلام يعمل لنا سينمات ومسارح، ووزير الشباب تخلوه يعمل ملاعب ويحدث الرياضة، والأخ وزير الثقافة إن وجد يعمل مكتبات عامة ومراسم، وإلا بيقع يا عاصب الراس".
أما فؤاد العامري فوصف القرار بغير الموفق "إذا كان صادق الوقت غير مناسب وحل المشاكل الضرورية قبل منع القات، وباعتقادي في لوبي يلعب في هذه القرارات لإشعال مشاكل وإرباك الوضع الداخلي لا أقل ولا أكثر".
ترحيب
ورغم حالة الاستياء والغضب من قرار المنع، كان هناك في المقابل بعض المرحبين، باعتبار أن زراعة القات تستهلك نطاقاً واسعاً من المياه الجوفية وتستنزفها، على حساب ري المحاصيل الزراعية الأخرى اللازمة للأمن الغذائي، حيث يستأثر القات بنحو 30% من مياه اليمن الجوفية.
وتأتي زراعته في الوقت الذي حذّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" من احتمال تحول وضع الأمن الغذائي والتغذية في اليمن إلى كارثة إنسانية ما لم يتوافر التمويل العاجل للمساعدة في الوقت المناسب في موسم زراعة الحبوب.
ومنعت السلطات الأمنية دخول القات جميع أيام الأسبوع، ما عدا الخميس والجمعة، في قرار غير مسبوق ويعد الأول من نوعه منذ 26 عاماً.
وقالت إنها اتخذت هذا القرار بسبب الأضرار التي يتسبب بها القات للمجتمع، وبينها تعطيل حركة السير وعرقلة عمل رجال قوات الأمن والأضرار الأخرى، داعية إلى ضبط المخالفين ومنع دخول القات.
ويتعاطى غالبية اليمنيين، البالغ تعدادهم أكثر من 25 مليون نسمة، القات بالمضغ عن طريق الفم، كعادة من بعد ظهر كل يوم في جلسات جماعية وفردية يطلق عليها شعبياً "المقيل" وتمتد إلى الساعات الأولى من المساء.