في الذكرى المئوية لإبرامها.. كيف زادت “سايكس بيكو” من الأزمة السورية العصية على الحل؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/17 الساعة 08:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/17 الساعة 08:31 بتوقيت غرينتش

قبل 100 عام، وفي يوم الاثنين 16 مايو/أيار 1916، وقعت بريطانيا وفرنسا معاهدة سرية قسّمت الشرق الأوسط إلى "مناطق نفوذ" انتدابية، وشكّلت معالم وتضاريس خريطة الشرق الأوسط الحديث.

لكن أحداً لم يحفل بتلك الذكرى المئوية، بينما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظراؤه الأوروبيون والعرب والإيرانيون مجتمعين في فيينا في آخر محاولة دولية لإنهاء الحرب السورية.

المحاولة تهدف إلى تحقيق "انتقال سياسي" – في تسمية مخففة كناية عن رحيل الأسد – لكن هذا الهدف هو على الأقل هدف التحالف الغربي والعربي، فيما يبدو أن للإيرانيين والروس نظرة مغايرة.

المعاهدة المذكورة ما هي إلا معاهدة "سايكس – بيكو" التي قسّمت المنطقة بيد المستعمر خدمةً لمصالحه ومطامعه.

لكن إرث المعاهدة التي انكشفت أوراقها غداة الثورة الروسية عام 1917 خيّم بثقله على مساعي كيري ونظرائه الوزراء بينما هم منهمكون في فيينا، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الإثنين 16 مايو/أيار 2016.

إذ لم يسبق طوال القرن الماضي أن تقلقلت حدود تلك المعاهدة أو تهاوت بهذا الشكل، لذلك هناك مساعٍ للحفاظ عليها.

وحدة سوريا

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتفق الوزراء الذين شكّلوا المجموعة الدولية لدعم سوريا على أسس "وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وسيادتها العلمانية"، لكن بعض اللاعبين الأساسيين ضمن الجهود البطيئة لصنع حكومة انتقال سياسي سوري، يقولون – مفضلين عدم ذكر أسمائهم – إن وحدة البلاد وسلامة أراضيها ضربان من المستحيل.

كان من بين اللاعبين الأساسيين القلائل الذين تذكّروا المعاهدة في ذكراها المئوية يوم الاثنين الرئيس مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان ذي الإدارة الذاتية، حين كتب على تويتر: "لقد خلت الحدود والسيادة من المعنى مع الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو. لقد انتهى أمر تلك المعاهدة".

ربما الأمر كذلك، لكن التعبير عن تلك الفكرة بصوت عالٍ في فيينا يعد خرقاً صارخاً للقواعد والآداب الدبلوماسية.

عندما قدمت وزارة الخارجية الأميركية أحد كبار مسؤوليها لإطلاع الصحفيين على نبذة من المحادثات عصر الاثنين، أصرّ هذا المسؤول (الذي اشترطت وزارة الخارجية عدم ذكر اسمه) على أن تقسيم البلاد ليس قيد المباحثات.

بيد أن المسؤول صرّح بوجود إمكانية لإلغاء المركزية، بحيث تتسلم المجموعات والفرق المختلفة – الكرد وحكومة الأسد والمعارضة – نوعاً من الحكم الذاتي. لكن الهدف الأكبر كما قال كان وحدة وسلامة سوريا.

وطبعاً لو أنه قال غير ذلك لانسحبت دولٌ هامة من مجموعة دعم سوريا، وعلى رأسها تركيا التي تخشى قيام كردستان وابتلاعها لأراضٍ تركية معها، لكن دولاً أخرى أولها السعودية لا تأبه كثيراً بشكل حدود سوريا وإنما ينحصر همّها في رحيل الأسد.

واشنطن لا تتعجل رحيل الأسد

أما بالنسبة للموقف الرسمي الأميركي، فصحيح أن أميركا تود رحيل الأسد، لكن الواقع أن قلة في واشنطن يتعجلون هذا الأمر لأن آخر ما قد يريدونه هو فراغ سياسي في دمشق قد يندفع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لملئه.

مع ذلك لعلنا نستطيع القول إن المعضلة السورية جعلت من السير مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو أكثر شخصين حقد عليهما كل مَنْ في الشرق الأوسط من بعد الأسد.

كان سايكس ارستقراطياً يحب تربية الأحصنة وكان محارباً مخضرماً خاض حرب البوير، توفي بعد 3 سنوات من المعاهدة بمرض الإنفلونزا الإسبانية بينما كان في باريس عام 1919 لمناقشة محادثات سلام الحرب العالمية الأولى. أما بيكو فكان والده مؤرخاً، كما عرفت عنه براعته في المحاماة والدبلوماسية، وعاش حتى سن الـ80 حين توفي عام 1951 بعد 3 أعوام من قيام إسرائيل.

الآن وبينما المنطقة على شفير الهاوية يشتعل الجدل، ترى هل حكم الرجلان على الشرق الأوسط بقرنٍ من الفوضى؟ أم أن الأذى الذي تسبّبا به لم يلحق بالمنطقة كبير ضرر مثلما يلقن طلاب المدارس والجامعات؟ فبعض المؤرخين يزعمون أن خارطة سايكس بيكو لم ترسم حدوداً صلبة، بل مجرد مناطق نفوذ.

من تحت أنقاض الدولة العثمانية انتزعت بريطانيا انتداباً على فلسطين والعراق، بينما حصلت فرنسا على سوريا، وبعض المناطق التي تشهد أعنف المعارك الطاحنة حالياً كالموصل كانت ملحقة بمملكة العراق.

الدفاع عن سايكس بيكو

هناك من يدافع عن الرجلين، مثل مقال نشرته مؤخراً مجلة "فورين بوليسي" كتبه ستيفن كوك وعمرو ليهيتا من مجلس العلاقات الخارجية، قال فيه الكاتبان إن الوقت قد آن لكي نقيل الرجلين الدبلوماسيين الكبيرين من ملامة مصائب الشرق الأوسط لأن ما يجري اليوم ليس جريرتهما.

جاء في مقالهما: "إن التركيز على معاهدة سايكس بيكو يشوبه نظرة خاطئة للتاريخ مع فهم خاطئ للعلوم الاجتماعية، ما سيقود الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الفشل في الشرق الأوسط".

كذلك كتبا أن المنطقة قد تتشظى وتعاد هيكلتها من جديد خلال الأعوام المقبلة، لكن يخطئ من يظن أن ترسيم الحدود سيرضي المطالب القبلية والعرقية؛ لأن الحدود المتعارف عليها منذ قرن ستظل هي "الطبيعية"، وأما من يظن أن من الممكن تحسين حدود المعاهدة، فله أن ينادي بمساعٍ دولية لإعادة الترسيم هذا.

إرجاء التسوية السياسية

لكن مسؤولين في البيت الأبيض يتشككون في أن تؤول الأمور إلى ذلك، وأن المسألة في أحسن الأحوال وبضربة حظ قد تسهم في خفض العنف وإرجاء التسوية السياسية (المفروض التوصل إليها في أغسطس/آب 2016) إلى حين وصول خليفة أوباما إلى سدة الحكم.

ومع ذلك يرى بعض مستشاري أوباما السابقين أن الوقت قد أزف لخفض التوقعات والاكتفاء بحل عملي ما. من هؤلاء كبير مستشاري أوباما في شؤون الشرق الأوسط ومجلس الأمن القومي سابقاً فيليب غوردون، الذي قال هذا الأسبوع إن الولايات المتحدة غير عازمة أبداً في المستقبل القريب على بذل المجهود العسكري اللازم لإزالة الأسد، فضلاً عن أن شركاءها في مجموعة دعم سوريا منقسمون جداً إزاء هذا الموضوع.

وأضاف غوردون أن اشتراط إزالة الأسد لوقف العنف ليس إلا عاملاً مؤججاً لمزيد من العنف والاشتباك، حسبما رأينا.

ولعل سايكس وبيكو في قبريهما يوافقان على ذلك، فأكبر مشكلة لدى سوريا الآن ليست في حدودها، بل في حلقة العنف المفرغة الدائرة التي لا تنتهي داخل إطار حدودها.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد