أترى
حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى؟
هي أشياء لا تُشترى
حين يستبدل موتور الري الذي تسقي به أرضك الخصبة في دقائق معدودة دون عناء يذكر، أرضك التي نثرت فيها شتى أنواع البذور ليأتي اليوم الذي تحصد فيه زرعك وأنت في غاية الهدوء والسعادة مستظلاً تحت ظلال شجرة ذات أوراق كثيفة أنت من غرستها، أترى حين يحل مكان الموتور ساقية، ويتم إقناعك بأنك لكي تحسن السقيا يجب أن تدور أنت في هذه الساقية، ولكي تستطيع الدوران برشاقة ولا تشعر بغثيان أو دوار يجب أن تغمي عينيك، ترفض في البداية وتثور ثم تخبو داخلك جذوة الثورة، حتى تخضع بحجة التجربة عسى أن تكون رياضة تقوي بها جسدك، تأتي اللحظة الفارقة عندما تقف أمام الساقية فتجد فلاناً قد سَرَّجَك ووضع الغمامة على عينيك كـ"ثور"، اللحظة الفارقة تكمن في أنك رسمت طريق الحياة إلى نهايته، كتبت على نفسك العمى، حتى لو تكرم أحدهم يوماً ورفع الغمامة عن عينيك، فلن يكون هذا كافياً لرفع الغشاوة عن قلبك وبصرك، ستظل تدور في هذه الساقية يوماً بعد يوم، مقتنعاً بأن نهاية الطريق تنقصه خطوة، تخطو الخطوة، وأنت موقن أن الطريق لن ينتهي وأنك لن تكف عن الدوران ، ستظل كما أنت مجتهداً ومحافظاً على الدوران في الشكل الدائري الذي أعد لك سلفاً، سترضى بما أنت عليه وستثمن مجهوداتك الخارقة، ستنسى محاولات ثورتك التي كانت في البدايات، ستنهر أي شخص يحاول تذكيرك بها، في هذه اللحظة وبعد مرور سنوات العمر ستكون مقتنعاً تماماً بأنك لا ولم ولن تستطيع عمل شيء أفضل من الدوران في الساقية، حينها ستكون ثوراً فعلا و قولاً و إحساساً
بعد كل هذا..
أترى؟
إذا ما اشتد قيظ الظهيرة وأردت أن تستظل بأوراق الشجرة الكثيفة التي غرستها بيدك، هل ستستمتع بتلك الظلال؟
أترى؟
إذا ما اشتد جوعك ونزلت إلى أرضك كي تقطف من الثمار ما تسد به جوعك، هل سيكون بنفس المذاق الحلو الذي طالما تذوقته على شوق؟
أترى؟
حين يمنحك أحدهم إجازة من الدوران في الساقية، وجلست تحت الشجرة في هدوء، هل ستستمتع وقتها بجمال البساتين والزهور والأشجار من حولك، أم أنك ستظل تتأفف من أوجاع وآلام عظامك؟
أترى؟
حين يستبد بك المرض ويستشري داخلك، أترى حين تُسلب صحتك بعد كل هذا وأعطيك مكانها مال الدنيا، حين أهديك "موتور" يروي أرضك في نهاية المطاف وبعد فوات الأوان..
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى..
لذلك ضع ما قاله أمل دنقل نصب عينيك، فحقاً هي أشياء لا تشترى، ولأنها أشياء لا تشترى، أرجوك أن تمزج معها كلمات صلاح جاهين التالية:
اقلع غماك يا تور وارفض تلف
اكسر تروس الساقية واشتم وتف
قال: بس خطوة كمان.. وخطوة كمان
يا أوصل نهاية السكة يا البير تجف
عجبي!!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.