أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز إلغاء مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية من البرلمان)، متعهداً بإنشاء مجالس جهوية تحل محله مستقبلاً، وهو ما يعني تلقائياً التحضير لاستفتاء شعبي على الدستور من أجل ضمان إلغاء مجلس الشيوخ.
وتعتبر المادة (99) من الدستور الموريتاني أنه يمتلك كل من رئيس الجمهورية، وأعضاء البرلمان، مبادرة مراجعة الدستور، كما تؤكد المادة (100) أن مراجعة الدستور تعتبر نهائية إذا نالت الأغلبية البسيطة من الأصوات المعبر عنها في الاستفتاء الشعبي.
وتعهد الرئيس الموريتاني في خطاب مطول ألقاه أمس الثلاثاء أمام الآلاف من أنصاره بمدينة النعمة (شرق البلد) بإجراء حوار سياسي مبكر بمن حضر من الأحزاب السياسية، في ظرف أقصاها 4 أسابيع، داعياً المعارضة إلى الالتحاق بالحوار، معتبراً أنه سيناقش كافة النقاط التي كانت تطالب بها.
لكنه في المقابل انتقد بشدة تراجعها دوماً عن المشاركة في الحوارات السياسية، قائلاً إن "كافة المطالب سيتم نقاشها والحوار القادم مفتوح أمام الجميع وسينطلق بمن حضر".
الهجوم على المعارضين
الرئيس الموريتاني هاجم المعارضة قائلاً إن دورها هو القيام بعملية تحليل خاطئة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد، متهماً معارضيه بالعمل على تشويه صورة البلد الخارجية والاعتماد على دعم بعض دول الغرب التي ليس بمقدورها تغيير قناعة الشعب الموريتاني ولا يمكنها تغيير نظرته للمعارضة التي يتصورها فاشلة ومهزومة.
واعتبر ولد عبدالعزيز أن المطالبة بإقالة الرئيس وتزوير الحقائق هو الشغل الشاغل لقادة المعارضة، مؤكداً تمسكه بالنهج الديمقراطي والعمل على توفير الحماية الكافية لذلك قائلاً: "لن أكون عقبة في وجه ترسيخ الديمقراطية، لكن ذلك لا يعني أن الطريق مفتوحاً أمام المعارضة لتولي زمام الأمور في البلد".
وأكد انشغال حكومته بتوطيد الحريات الإعلامية والسياسية، والعمل الجاد من أجل تنفيذ وتعزيز المشاريع التنموية بموريتانيا، مشيراً إلى أن الشباب مطالب بالانخراط في العملية السياسية، كما أن المرأة معنية بالمشاركة في بناء الدولة وتعزيز العملية السياسية.
وانتقد الرئيس الموريتاني لجوء البعض للمتاجرة بالعبودية بعد أن ضاقت عليه سبل التوظيف، وخفّ زاده بعد فترة من أكل الأموال العمومية والمتاجرة بالملف، قائلاً إن الاستثمار في هذه القضايا لن يجدي أصحابه، ولن يفيد المنخرطين فيه، مؤكداً أن "الدولة أقرت بوجود مخلفات للرقّ معترف بها، وتعمل على محاربتها وتغيير عقلية البعض من أجل إدماجه في الحياة التنموية النشطة".
اقتصاد البلد مستقر
طمأن الرئيس الموريتاني خلال خطابه الشعب إلى استقرار الحالة الاقتصادية للبلد، ومنح الأولوية لتنمية البلد وتعزيز الاستقرار فيه، معتبراً أن موريتانيا الآن من الناحية الاقتصادية تعيش ظرفية جيدة، حيث بلغ فائض الميزانية السنة الماضية 19 مليار أوقية، رغم الأزمة التي يمر بها مجمل دول العالم.
وأشار الرئيس الموريتاني إلى أن حسن التسيير والتدبير اللذين تنتهجهما الحكومة ساهما كثيراً في إنعاش الاقتصاد الوطني رغم انخفاض العائدات السنوية من الحديد والذهب والنحاس، معتبراً أن قطاعات الصيد والزراعة والثروة الحيوانية تعتبر من أهم القطاعات التي تنعش اقتصاد البلد، الذي بلغت ميزانيته الآن 452 مليار أوقية.
التمهيد لفترة ثالثة
وقلل الخبير والباحث السياسي سيد أعمر ولد شيخنا من أهمية حل مؤسسة مجلس الشيوخ، الذي لم يكن مطلباً لأحد، وإنما تم النص عليه في دستور (1991) الممنوح من قبل الحاكم العسكري كمؤسسة لاحتواء النخب التقليدية، وكسب ودّها، بالإضافة إلى طلبه التقليد للدستور الفرنسي.
وقال ولد شيخنا في تصريح لـ"عربي بوست" إن البعض قد طالب بإلغاء مجلس الدستور مراراً، والرئيس الآن يريد أن يجعل من هذا المطلب المشروع في الظروف العادية فرصة لتمرير تعديل دستوري يخلده في السلطة، ويتجاوز به عائق المأمورية الثالثة الذي كان أهم مكاسب مرحلة ما بعد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع".
واعتبر ولد شيخنا أن تعديل 2006 خلال المرحلة الانتقالية نص على تحديد المأموريات باثنتين غير قابلتين للزيادة، وأقر بتحصين هذه المواد من التعديل، لكن العسكر لا عهد لهم ولا أمان، مؤكداً توقع البعض أن يتم التوجه للنظام البرلماني اللامركزي وهي توجهات سليمة.
وأكد ولد شيخنا أن خيار التوجه نحو النظام البرلماني والجهوية الموسعة يعد أحد الضمانات الأساسية لتكريس التحول الديمقراطي في البلاد.
وخلص إلى القول إنه ليس صحيحاً أن النظام البرلماني، والفيدرالية، أو الجهوية الموسعة، شر مطلق في البلدان متعددة الأعراق بل هي أهم ضمانات الوحدة والانسجام، لكن الأمر الخطير هو توغل النظام الرئاسي والمركزية المفرطة، ويجب أن يناقش الأمر بتروٍّ، وعمق بين النخبة، في أجواء حرة، وفي سياق البحث عن المصلحة العامة، وليس في سياق تسلطي أحادي فوقي.
بدوره قال الباحث السياسي أبوبكر ولد أحمدو الإمام أن اقتراح الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز لتعديل الدستور بغرض حل وإلغاء مجلس الشيوخ قد يكون مدخلاً ذكياً للمأمورية الثالثة التي يحرمها الدستور وترفضها القوى السياسية المعارضة بالبلد.
وقال ولد أحمد الإمام في تصريحات خاصة إن القرار أولاً يعتبر تلبية لمطالب قدمتها بعض القوى المعارضة، وثانياً يفتح المجال لتعديل الدستور وطرح المقترحات بذلك الخصوص، وهذا دون شك يمثل ضوءاً أخضر للأغلبية الرئاسية، التي ستقدم بقوة مقترح فتح الباب أمام أكثر من مأموريتين وحظوظ نجاحها في فرض المقترح كبيرة جداً.
وختم ولد أحمدو الإمام بالقول إنه "حينها يكون الأمر قد تم دون أن يدعو له الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز بشكل مباشر لتعديل الدستور".