"من على حافة الموت تولد الحياة"، هكذا أثبت الشاب التونسي محمد أمين بن يوسف الذي كان يتوقع الأطباء موته بسبب مرضه العضال الذي أقعده على كرسي متحرك وهو في الثامنة، ولكنه تحدى هذا المرض ولم يمنعه الكرسي المتحرك من تحقيق حلمه في الدراسة كباقي أقرانه ومزاولة مهنة المحاماة ليتوج منذ أيام بشهادة الدكتوراه في العلوم القانونية بمرتبة مشرف جداً.
باقي من الحياة 6 أشهر
هذا المحامي الشاب الذي لم يتجاوز عقده الثالث وُلد كأي طفل عادي يمشي على قدميه ويحرك جميع أطرافه، لكن مرضاً عضالاً ألمّ به في سن الثامنة عطل جزءاً من الوظائف الحيوية في جسمه وجعله رهين كرسي متحرك طوال حياته.
يقول محمد لـ"عربي بوست": "الأطباء في تونس أخبروا والديّ بأن الأمل في علاجي شبه مستحيل وأني لن أعيش أكثر من 6 أشهر بعد أن أصبت بفيروس على مستوى الجهاز العصبي، لكن إرادة الله وتعلق والديّ بالأمل في علاجي جعلهما يبحثان عن بصيص حياة خارج تونس".
رحلة علاج محمد في أوروبا دامت سنوات وأنقذته من موت قيل سابقاً إنه محقق، لكنه لم يستعد قدرته على المشي وتحريك أطرافه، رغم ذلك يراها هذا الشاب نعمة من الله جعلته يتشبث أكثر بالحياة ويسعى نحو تحقيق طموحاته الدراسية ليفتح بعد سنوات من الدراسة في مجال العلوم القانونية مكتب محاماة خاصاً به في ضواحي العاصمة التونسية.
الدكتوراه
"الماتر" أمين، كما يحب مناداته، يشدد على التضحيات التي قام بها والداه والتي لولاها لما وصل لتحقيق ربع هذه الإنجازات لاسيما والدته التي كانت تحفزه على نيل شهادة الدكتوراه في العلوم القانونية رغم انشغاله بعمله في سلك المحاماة.
يقول محمد: "فرحتي اليوم لا توصف لأني حققت رغبتي أولاً في الحصول على شهادة الدكتوراه بمرتبة مشرف جداً، والأهم حلم والدتي التي طالما دفعتني لعدم الاستسلام وسهرت الليالي وهي تدفعني لاستكمال أطروحة الدكتوراه".
وشدد المحامي الشاب على أنه محظوظ مقارنة بأشخاص آخرين يحملون الإعاقة، فالمناخ الأسري الذي وُلد فيه جعل من مرضه عاملاً لمزيد التحام أفراد أسرته وتمسك والديه بأن يأخذ محمد حقه وفرصته في الحياة والدراسة كشقيقه الذي ولد سوياً في الوقت الذي تتفكك فيه أسر بسبب وجود فرد من الأفراد غير سليم داخل الأسرة، على حد قوله.
المحاماة "سلاح المستضعفين"
اختيار هذا الشاب مهنة المحاماة وميدان العلوم القانونية لم يكن بمحض الصدفة كما يقول، بل رغبة منه في الدفاع أولاً عن حقوقه كشخص حامل للإعاقة في مجتمع يكرّس اللامساواة بين الشخص السوي والحامل للإعاقة، وثانياً للدفاع عن حقوق منظوريه من ذوي الإعاقة، ويضيف قائلاً: "وأنا على كرسي متحرك كنت أكره نظرة الشفقة التي ألمحها في عيون بعض الناس، كما تعرضت إلى مظالم عديدة وشاهدت بأم عيني كيف يهضم حق المعاق، وكيف يحرم من حقه في التعليم والصحة والتنقل بقصد أو بغير قصد".
ويرى محمد الذي كرّس جزءاً من حياته المهنية في الدفاع عن قضايا حاملي الإعاقة والحصول على حقوقهم بقوة القانون أن مهنة المحاماة تحديداً هي الخطوة الصحيحة والسلاح الفعال للدفاع عن هؤلاء "المستضعفين" ونصرة قضاياهم.
ويقول في هذا الصدد: "لن يحس شخص عادي بشعور القهر والظلم والتمييز الذي يعيشه شخص معاق، وبكلمة "مسكين" التي ينطقها البعض من باب الشفقة إلا إذا عاش تجربته المريرة، ومن هذا المنطلق كان توجهي لمهنة المحاماة".
وفي ذات الوقت لم يخف محمد شعوره بالخيبة من المنظومة القانونية التونسية التي يراها تكرس التمييز وعدم تكافؤ الفرص بين الأسوياء وحاملي الإعاقة خلافاً للشعارات الرنانة التي ترفع في المنابر السياسية والمناسبات الوطنية.
لسنا عبئاً على الدولة
هذا المحامي الشاب الذي يستقبل في مكتبه يومياً عشرات القضايا وحظي بثقة موكليه بفضل السمعة الجيدة التي اكتسبها بين زملائه وفي أروقة المحاكم يشدد على أن المعاق يمكن أن يكون شخصاً فاعلاً ومواطناً صالحاً يساهم في عجلة التنمية ببلده وليس فقط مجرد عبء ثقيل على أسرته وحكومته، "لكن هذا لن يتم إلا بمنحه فرصة متساوية في العيش وتمكينه من حقوقه كباقي المواطنين دون تمييز"، حسب تعبيره.
ويختم قائلاً: "ما يؤلمني حقاً أن كلمة معاق أصبحت تستعمل في مجتمعنا كشتيمة، والحال أنها وصف لحالة مرضية، الإعاقة في اعتقادي ليست في الجسد لأن إعاقة الجسد ابتلاء من الله لكن إعاقة الأخلاق هي المصيبة".